‏إظهار الرسائل ذات التسميات موسيقى وغناء. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات موسيقى وغناء. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 17 فبراير 2025

قنوات الأطفال.. سقطت عمدا من التليفزيون المصري


عبدالرحيم كمال

من السقطات الفاضحة للإعلام المصري -وهنا أتحدث عن التليفزيون- إغفاله لبرامج الأطفال -حاليا- وعدم الانتباه لأهمية إنشاء قناة تخاطب الأطفال في مراحلهم السنية المختلفة.. زمان كان عندنا بابا ماجد -رحمه الله- وبقلص نجوى ابراهيم -أطال الله في عمرها- الآن الساحة خاوية، وكأننا مجتمع يخلو من الأطفال.. الراية المرفوعة دوما من المسئولين إياهم - راية جلب الفقر- هي قصر ذات اليد وعدم وجود أموال لإنتاج برامج الأطفال المكلفة - ناهيك عن قناة متخصصة للأطفال-، خاصة في هوجة إنشاء قنوات النيل المتخصصة في عهد صفوت الشريف وحسني مبارك، وكأن الريادة في زيادة العدد لا المضمون، وكلنا نعرف النتيجة.. المهم أن تعامي الإعلام المصري عن تخصيص قناة تليفزيونية للأطفال جعل الأنظار تتجه بشكل طبيعي إلى بديل، لتطهر قنوات عديدة تحملها الأقمار الصناعية، ومنها عدد لا بأس به من القنوات العربية، كثير منها غير حكومي -وربما كلها- ويقف وراءها شركات أو رجال أعمال آمنوا بالفكرة، ومؤكد أن هذه القنوات لا تخسر، إن لم تكن تحقق الربح، ومنها قنوات جيدة الطرح والمضمون والتنفيذ، وتعمل على مدار اليوم، ومن هذه القنوات طيور الجنة، بطوط، ماجد، مجد، تنة ورنة، سمسم، أطفال ومواهب، إم بي سي 3، ميكي كيدز، ديزني كيدز، كوكيز، توم وجيري.


اللي يغيظ هو أن بمصر عددا كبيرا من الفنانين المهتمين بالأطفال، ويمكنهم العمل فورا في برامج إذا دعاهم أحد للعمل، وهناك رسامون يشاركون في الرسوم المتحركة، ويتخرج كل عام عدد كبير منهم من أكاديمية الفنون.. ومنذ ثلاثة عقود أنتج التليفزيون بوجي وطمطم وتم تقديم شخصية كارتونية مصرية شهيرة هي بكار، وهناك أيضا شركات تساهم في مثل هذه الأعمال، وقد استغلت هذه الفكرة بعض الأغاني عند تصويرها فيديو كليب.. لكننا نتكاسل أو ندعي العمي ونتجاهل أهمية قطاع هام من المواطنين هم شباب المستفبل، وأهمية تشكيل وعيهم منذ الآن.


الخميس، 31 أكتوبر 2024

الفن بالمزاد.. والإبداع بالكيلو!!

 

عصام السيد             درية شرف الدين                         

عبدالرحيم كمال

شاهدت منذ فترة إحدى حلقات برنامج "حديث العرب" على القناة الفضائية المصرية الأولى، وتقدمه "درية شرف الدين".. ضيف الحلقة كان المخرج المسرحي "عصام السيد" الذي بات علما في إخراج المسرحيات الغنائية تحديدا.

بقدر سعادتي باختيار "عصام السيد" ضيفا، كان ألمي.. فالحوار الذي اعدته "د. درية شرف الدين" وهي من أفضل من أنجبهم التليفزيون المصري، ومن أفضل من يتناول موضوعا ثقافيا، ولا ننسى ارتباط اسمها لدينا بواحد من أفضل البرامج الكلاسيكية التي تجمع بين الثقافة والترفيه وهو برنامج "نادي السينما" وكان التليفزيون يقدمه أسبوعيا.. وبالمناسبة، فقد بُح صوتنا لإعادة البرنامج في ثوب جديد، مع برامج ثقافية/ جماهيرية هامة مثل "فن الباليه" وكانت تقدمه "ناهد جبر"، و"الموسيقى العربية" الذي كانت تقدمه "د. رتيبة الحفني"، و"صوت الموسيقى" وكانت تقدمه "د. سمحة الخولي"، و"العالم يغني" الذي كانت تقدمه "حمدية حمدي"، وهناك برنامج "العالم العربي يغني" الذي ظهر في آخر فترة الاهتمام بالصبغة الثقافية في تليفزيوننا العزيز.. وأيضا -ومن باب الأمانة- شاهدت بعض حلقات لبرنامج عن الموسيقى العربية قدمها المطرب "أحمد إبراهيم" ولا أعرف إذا كانت هذه القناة ما تزال مستمرة في بث البرنامج أم لا.

مصدر الألم

مصدر الألم عندي جاء من شقين.. الأول أن الحلقة بكاملها تم عرضها بدون تضمين ولو مشهد واحد من المسرحيات التي تطرق إليها الحديث، خاصة مسرحيته الأخيرة "موش روميو وجولييت" التي قدمها للمسرح القومي بمشاركة "رانيا فريد شوقي" و"علي الحجار"، وقد ركز البرنامج على هذه المسرحية منطلقا منها وعادا إليها في الحوار.. وللأمانة فقد تم عرض لقطتين -بالموبايل- لفريق العمل أثناء البروفات.

 

د. سمحة الخولي                         د. رتيبة الحفني

هدم ذاكرة وطن

السؤال الذي يفرض نفسه هو: أليس التليفزيون تليفزيون الدولة، والمسرح والفرقة يتبعان الدولة، فلماذا التقصير في تصوير هذه الأعمال، ثم إن التليفزيون كوسيلة إعلامية من المفروض أن يغذي مكتبته والأرشيف بكل حدث جديد في كل المجالات، وإلا يكون قد ارتكب جريمة تتعدى مبنى التليفزيون وشاشاته لترفع معول هدم ذاكرة مصر وتشويه وجدان المواطن المصري.. ثم ألا يعلم التليفزيون أسماء المسرحيات  التي "سـ" يتناولها الضيف في حديثه المطول قبل أن يتم، وهو ما يؤكد مجددا خلو مكتبة التليفزيون من أشرطة لهذه الأعمال، ليؤكد مرة أخرى مشكلة إهمال تاريخ مصر وعدم الاهتمام بجمعه وتوثيقه، ناهينا عن التفريط فيما ورثناه من السابقين وقد بيع كثير من الأصول حتى وصلت إلى إسرائيل.

سوابق كروية

الأمر نفسه نراه منذ سنوات وننظر له ببراءة في البرامج الرياضية، خاصة التي تتناول كرة القدم -وهي أكثر المواد جماهيرية- فلا يتم بث اللقطات التي يتناولها الحوار، والسبب أن التليفزيون ليس لديه شرائط هذه المباريات، وليس من حقه عرض لقطات فيديو لها لأنه لم يشتر حق عرضها.. وطبيعي أن يحتفظ المنتج صاحب التصوير بحقه -سواء كان قناة تليفزيونية أو شركة- ولكننا نسأل مسئولي كل الشاشات المصرية -والتليفزيون الحكومي على رأسها- ألا يعني بث اللقطات التوثيقية جذب المشاهدين ثم حرصهم على متابعة قناة دون غيرها، مما يعني زيادة نسبة الإعلانات بها؟.. إذن لماذا الإهمال في حق المشاهد، الذي ينعكس إهماله في الانصراف عن التليفزيون الوطني لمتابعة تليفزيونات غير مصرية.

د. محمد معيط                            د. صلاح جودة

الفن بالمزاد

مصيبة أخرى لكنها أشد وطأة أشار إليها المخرج المسرحي "عصام السيد" في حواره مع "د. درية شرف الدين" في برنامج "حديث العرب" بالقناة الفضائية الأولى لتليفزيون مصر، فماذا قال "السيد"؟

قال "عصام السيد" إن وزارة المالية وضعت تقنينا لتصوير العمل المسرحي، وهو أن يتم طرحه والإعلان عنه في منتقصة بالمزاد!!!!؟؟؟؟، نعم بالمزاد، وبالتالي ليس من حق أحد التساؤل عن مستوى هذا التصوير وهل يصلح للعرض التليفزيوني أم لا، ومدى العمر الافتراضي لهذه النسخ.. الأمر نفسه يشمل بقية فروع العمل الفني، فيتم إعلان مزاد للمخرجين، وآخر للمؤلفين وثالث للممثلين.. وهكذا إلى نهاية الطابور.. وإذا كان العمل عبر آلية المزاد، فالطبيعي أن يكون الحكم بالكيلو.

تجربة قديمة

هذه النقطة تعيدنا إلى ما قاله الاقتصادي الراحل "د. صلاح جودة" منذ سنوات طويلة في حديث عن آلية العمل في الكتاب المدرسي -موجود باليوتيوب- حين كشف أن تأليف الكتب المدرسية يتم بالمزاد، وطبعا الأقل سعرا يرسو عليه المزاد لتأليف هذا الكتاب أم ذاك.. وليس غريبا ولا جديدا رداءة مستوى الكتاب المدرسي محتوى وإخراجا، خاصة بمقارنته بالكتاب الخارجي.. وإذا كان بعض الظن إثما، فأعتقد أن الربط بين الجزئيتين ليس إثما، بل ليس ظنا، فطبيعي أن ناشري الكتب الخارجية يهمهم سوء مستوى منافسهم وهو الكتاب المدرسي.. والمعلومات تشير إلى هزيمة الكتاب الإلكتروني المدرسي أمام الكتاب الورقي، بما يعني أن الكتاب الخارجي للمناهج الدراسية سيظل على عرشه -ويا جبل ما يهزك ريح-

مسرحية "مش روميو وجولييت"

وعي ثقافي

ما نخلص إليه -وبدون سوء نية- أن كثيرا من المسئولين ليسوا مؤهلين ثقافيا وليس لديهم وعي ثقافي يؤهلهم لتولي مناصبهم العليا.. وهنا نتساءل: إذا ما صدر قرار عجيب غريب مدهش من وزارة كبرى كوزارة المالية، وعلى رأسها "د. محمد معيط" الذي أصدر القرار، ألا يوجد من ينبهه إلى خطأ هذا القرار أو ذاك و ما يثيره، سواء من مستشاريه في الوزارة، أو من مجلس الوزراء أو من الرئاسة.. صحيح أننا نكتب.. لكننا نعلم أن "ودن من طين.. وودن من عجين"، لكننا على أمل أن تكون الثقافة ليست "الحيطة الواطية" في هذا العصر.

مسرحية "مش روميو وجولييت"


الخميس، 22 فبراير 2024

"محمد حمام" شاعرا

 


عبدالرحيم كمال

مفاجأة مذهلة اكتشفتها فجأة عند زيارة لي لإدارة النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة، حيث أهداني الصديق "شعبان ناجي" مدير تحرير سلسلة "أصوات أدبية" مجموعة من الإصدارات الحديثة للهيئة، كان من بينها ديوان شعري صغير الحجم، للفنان الشهير دافئ الصوت "محمد حمام".. الديوان "دارة جنديلة" -رغم صغر حجمه- إلا إنه انتشلني من نفسي ونشر في ضلوعي دفئا أزال برد شتاء القاهرة المتفرنج.. ولجمال المفاجأة وعذوبة أشعار الديوان ورقتها، كان لابد من نقل بعض منها إليكم:

 

ياصاحبي

 

ياصاحبي ياحتة من ضلعي

لو اتخفيت أنا ماأقدرش أحوش عنك

كلام الليل وحراسه

يغنوا لك..

يحنّوا لك..

يبوسوا الخد والتاني يدوسوا عليه

أنا ماأقدرش أحوش عنك

ياطير أخضر مالكش لسان..

ياليل شتوي مالكش قرار

ده مين يقدر

يقول أقدر

غير المصلوب..

على كرسي..

في أرض خراب

 

القاهرة 1965

__

دلوني ع السكة

 

ياشاربين كاس الهوا..

دلوني ع السكة..

شربت انا كاسي..

مالقتش غير سكة..

أموت..

ناقص عذاب

من غير كفن..

ولا تربة تلم حتى أحلامي

 

القاهرة- 1964

الخميس، 25 نوفمبر 2021

بين "شاكر" و"ساويرس".. ذوق الشعب لايأتى من أعلى

هاني شاكر                                       نجيب ساويرس

عبدالرحيم كمال

مرة أخرى يثور النقاش حاداً حول الحالة الغنائية السائدة في مصر الآن، ولأن الغناء هو الفن الأكثر تعبيراً والتصاقاً بالناس، فإن الخلاف يصبح ككرة ثلج تتدحرج لتكبر وتنمو وتتحول لجبل.. وإن كان التراشق ينحصر الآن بين الفنان "هاني شاكر" نقيب الموسيقيين، ورجل الأعمال "نجيب ساويرس".. "هاني شاكر" هدفه نبيل ولا شك فيه، لكن المنع ليس وسيلة الإصلاح او التطوير، وإذا منعت هؤلاء المغنين فسيزيد تواجدهم في الحفلات الخاصة والأعراس، الذين يتجذرون فيها بالأساس، إضافة لليوتيوب.. وهذه الألوان الشعبية تجتذب على الأقل نصف الشعب المصري، بما يزيد عن 50 مليوناً.. إذن المنع قرار خاطئ، كما أن المنع يصب في خانة الوصاية على ذوق الشعب المصري، وهو مالا يملكه أحد، وهي بادرة سيئة تتم للمرة الأولى في مصر، وأعتقد على مستوى العالم.

تغيير الذوق العام

الموضوع أكبر من اختزاله في أسماء أو أشخاص معينين.. فلا أحد يستطيع ولا أحد يملك حق تغيير أو يدّعي القدرة على تطوير الذوق العام، لكن يمكن للفنانين والمسئولين المعنيين بالثقافة والفن المساهمة في الارتفاع بالذوق العام بتقديم أعمال جيدة للجمهور -وهو دورهم الطبيعي في كل الأحوال-.. وواضح أن "هاني شاكر" وهو فنان جميل وكبير، وهو ابن بيئة موسيقية أصيلة، تضرب جذورها في الكلاسيك المصري القديم من الحامولي وسلامة حجازي والخُلَعي وسيد درويش وزكريا أحمد، مروراً بالسنباطي ومحمد عبدالوهاب، وصولاً لبليغ حمدي ومحمد الموجي -الذي اكتشف هاني وقدَّمه للساحة الفنية في السبعينيات بأغنيته الأولى "حلوة يا دنيا" وهي أفضل وأجمل أغنيات هاني شاكر حتى الآن..

لكن "هاني شاكر" غير مؤهل لتغيير الذوق العام، لأنها عملية تمتد لعشرات السنين، وتستند إلى علوم النفس والاجتماع والتربية لبحث أسباب الانهيار وتقديم "روشتة" للعلاج، ويأتي دور الأعمال الفنية الجيدة في الحلقة الأخيرة من العملية وهي الحلقة المتروكة لمساهمة الفنانين.

سيد درويش                   أم كلثوم

أسباب الهبوط

نقيب الموسيقيين يسوؤه مستوى الأغنية -كما يسوؤنا- لكنه يجهل أسباب هبوط الأغنية والذوق العام عموما، وهي النقطة المحورية في هذا الجدل غير المنتهي، وللأسف، ورغم أنه فنان، لم يستطع التوصل لنقطة صغيرة وبديهية، وهي ضرورة إعادة وزارة التربية والتعليم لحصص التربية الموسيقية، لتخريج أجيال تتذوق الموسيقى، وتمثل سداً مانعاً ضد الأغاني الفاسدة.. لكن النقيب الفنان لم يفهم هذه العلاقة البسيطة بين انهيار التعليم وانهيار الذوق العام.

بداية الانهيار

الانهيار بدأ إثر نكسة 1967، وهي زلزال ماتزال توابعه تترى -وستستمر إلى 20 سنة أخرى على الأقل- لأن النكسة لم تكن فقط عسكرية، ولكنها كانت نكسة للمشروع الناصري بكل تفاصيله، ومنها الانفتاح الثقافي، مما جعلنا نتوجه للتقوقع والانكماش، أو التدين الظاهري والدروشة والاعتقاد بالغيبيات، ليبدأ مسلسل الانهيار العظيم الممتد حتى الآن.. وبعيداً عن الحالة الغنائية التي نتفق على هبوطها، تعالوا نسأل أنفسنا: هل هناك شاعر واحد مؤثر تتفق عليه جماهير المثقفين، كذلك الأمر بالنسبة للرواية، والسؤال الموجع عن السينما -تلك العزيزة الراحلة، أو على الأقل تعيش في العناية المركزة- فبعد أن كانت مصر تنتج بين 100- 120 فيلما سنوياً تراجع الرقم لينكمش ويتوقف في أعظم الأحوال عند 20 فيلما في السنة ودون أن يحس بها أحد، رغم توافر العناصر اللازمة للعملية الإنتاجية وأهمها العنصر البشري من فنانين وفنيين، ثم البنية التحتية من استوديوهات وأجهزة فنية، وفي مقدمة كل ذلك جمهور ضخم لايجد ما يشاهده في السينما، إن وجد دار العرض أصلاً.

طبعاً.. لن أسأل عن الفن التشكيلي ولا الباليه وفنون الأوبرا، فهي فنون نخبوية يخافها العامة ليلوذوا بالفرار منها.. لكن ماذا عن المسرح الذي لايعتمر "برنيطة" فوق رأسه، وإنما طاقية وعمامة ويضع الشال على كتفيه، وهو فن يتكلم بلغتنا ويناقش أوجاعنا.. فلماذا اختفى؟

التعليم أولاً

مهما حاولنا، فلن نتقدم خطوة حقيقية واحدة بدون عملية تعليمية سوية.. وأظن أننا جميعا بتنا واثقين من أهمية التعليم، وأن التعليم الجيد ضرورة لجودة الحياة، فجودة التعليم ليست رفاهية..

ولأن "طباخ السم بيدوقه" على رأي مثَلنا العتيد، قدم التعليم المنهار طوال العقود الماضية - -وبشكل بديهي- منتجه للمنظومة التعليمية نفسها، معلمين فاشلين في العملية التعليمية، ومسئولين لا يعلمون أهمية التعليم ولا دوره في المجتمع، وبالتالي ليس بمقدورهم توصيف المشكلة ووضع حلول لها.. والمشكلة سوف تستمر في ظل النكوص عن حل المشكلة حلاً جذرياً، والحل يستغرق حوالي 20 سنة متواصلة، هي الفترة التعليمية من التحاق الطفل بالحضانة حتى تخرّجه في الجامعة -غير متضمنة الدراسات العليا-

طبعاً، المنتَج السيئ المتمثل في المعلم والمسئول غير المؤهلين لا للتعليم أو القيادة، كان زلزالاً من توابعه إلغاء حصص تنمية الإنسان، من تربية رياضية وموسيقى ورسم وأشغال.. لذلك فالشعب المصري كله -مع بعض الاستثناءات- لا يعرف إذا ما كان اللحن الموسيقي الذي يسمعه جيداً أو لا، وكذلك لا يستطيع الحكم على المطرب وصوته وأدائه.. الأمر نفسه في الرياضة، فإذا ضربنا المثل بكرة القدم وهي اللعبة الشعبية الأولى في مصر، فسنجد أن النسبة العظمى من الجماهير لا تستطيع تقييم لاعب أو فريق بشكل علمي، والمسألة تعتمد على تشجيع فريق معين وصب اللعنات على الفرق الأخرى، ولذلك ينتشر لدينا التعصب الرياضي الأعمى، وهو مناخ مناسب لغرس الكراهية في النفوس واعتماد مبدأ رشوة الحكام أو لاعبي فريق معين، وحتى اتحاد الكرة.. وهكذا دواليك.. ومن الرياضة تصاب الحياة عندنا بالتعصب والكراهية للآخرين، وعلى طول الخط.

المشكلة نفسها تتكرر في عدم القدرة على فرز الجيد من الردئ في الدراما التليفزيونية أو السينمائية، المواطن المصري -في الغالب- لا يستطيع القطع إذا ما كان هذا الممثل جيداً أم لا، ولا يشعر بجمال او رداءة تصوير مشهد أو كادر معين.. بل أراهن بعمري على أن 90% من الشعب المصري لا يستطيعون التفريق بين مخرج أو آخر، حتى في الأفلام السينمائية التي يحفظونها عن ظهر قلب، وعلى هذا فقس.. ويبقى النقد الانطباعي سيد الموقف.. وتكون النتيجة قارات هوجاء متعصبة غير واعية وغير منطقية، والسبب غياب التعليم الجيد.

رحيل الجمال

 الموسيقى جمال، ويصنّفها بعض الفلاسفة في الفنون الجميلة.. إذن، ماذا عن الفنون الجميلة لدينا.. سأقول لك: الله يرحمها.. ماتت، وقد خلّف موتها دماراً بصرياً، انظر أولاً لجبال القمامة في كل أحياء مصر، الراقية والشعبية، من مصر الجديدة للمهندسين لبولاق الدكرور وفيصل وغيرها من الأحياء والمدن.. وانظر للأبراج حولك في أي مكان لتصطدم عيناك بالمنظر المؤذي للطوب الأحمر.. وكأنه الشيء الطبيعي ولا يوجد طلاء للمباني من الخارج.. تُرى: ماذا ننتظر من طفل أصبح شاباً ورباً لأسرة، ثم أصبح مسئولاً في الدولة، وقد تعوّد على القبح رؤية وسماعاً.. أليس طبيعيا أن نرى القبح طبيعيا؟

وردة الجزائرية

تراث.. ولكن

نعود للمجرى الرئيسي لنهر الموضوع لنقول إن الفنان النقيب "هاني شاكر" مستاء من حالة الأغنية، ومعه الحق، لكن، وهو الدارس للموسيقى وأحد خريجي كلية التربية الموسيقية بالزمالك، ألا يتذكر الأغنيات القديمة التي نقدمها ونفخر أنها تراثنا، ومنها "الحب دح دح.. والهجر كخ كخ" لـ "رتيبة أحمد" واشتهرت بها سلطانة الطرب "منيرة المهدية"، و" وعنها ودوغري خدت لي بوسة لكن صنعة" لسيد درويش في أغنية "على قد الليل ما يطوّل" من أوبريت "العشرة الطيبة"، و"هات القزازة/ واقعد لاعبني" لنعيمة المصرية، وأرجو الانتباه إلى أن الأغنية الأخيرة بها مشكلتان، الأولى "هات القزازة" والثانية "واقعد لاعبني" وكل منهما معيب.. كما غنت السيدة "أم كلثوم" -سيدة الغناء العربي- أغنية "الخلاعة والدلاعة مذهبي" والتي بدلتها بعد ذلك بـ " أنا اللطافة والخفة مذهبي"..

هذا على مستوى النص أو كلمات الأغنية.. فإذا اتجهنا للحن فلابد أن نتوقف عند "الهنك والرنك"، الذي كان سائدا أيام الاحتلال الإنجليزي لمصر، ويعتمد التطويل المبالغ فيه، وكانت الإذاعات الأهلية تقيّم الأغنية بمدتها الزمنية، ودعنا نستعيد في هذه النقطة الدور الأهم للراحل خالد الذكر "سيد درويش" في تمصير الأغنية والتخلص من الزيادات اللحنية والنزول بها إلى الشارع المصري لتلتحم به وتترجم له وتعبّر عنه.

تُرى: ما رأي الفنان النقيب في ذلك.. ألم تنته الأغنيات سيئة الذكر محفوظة في الأرشيف، فيما لانزال نتغنى بكل الأغاني الجميلة؟

وردة وعدوية

على أن هناك حالتين غنائيتين أثارتا الجدل في ما مضى.. الأولى أغنية "السح دم امبو" التي عرفتنا بالمطرب الجديد وقتها "أحمد عدوية"، كان ذلك في 1969، وقد رفضه كمطرب جميع المثقفين والمتعلمين، كما رفضوا الأغنية وألفاظها الغريبة.. واستمر الرفض حتى أصبح "عدوية" عنواناً للأغنية الكلاسيكية المصرية نترحم عليها إزاء ما نسمع من أغنيات تدَّعي الشعبية في الماضي القريب والوقت الحالي.

احمد عدوية

الحالة الثانية للمطربة الكبيرة الراحلة "وردة الجزائرية" التي كان يرفضها اليساريون التقدميون، بل ويطلقون عليها من باب التهكم والسخرية "ورشة".. لكن بعد أن كبرنا -أو هرمنا- أصبحنا نستمتع بغنائها.. في الحالتين، عدوية ووردة، مر الزمن وهما يقدمان ما لديهما، وبمرور الزمن تغيرت الرؤى والأفكار ليقوم من شاء بمراجعة أفكاره وذائقته ويعيد اكتشاف وتقييم وردة وعدوية.. والأمر نفسه هو ما سيحدث مع كل ما هو جديد في الحياة، ومنها الغناء، لكن يبقى أن دور نقيب الموسيقيين هو حماية الفنانين أعضاء النقابة وتوفير الخدمات الأساسية لهم من سكن وعلاج ومعاش، مثلما قال "ساويرس"، فدور النقابة حماية الفنانين، وإذا ما شعروا بالاطمئنان في حياتهم الشخصية، أنتجوا فناً جيداً.

الجمعة، 2 أبريل 2021

معنى العمل الفني

الموضوع منشورا في :الحوار المتمدن"

عبدالرحيم كمال

شاهدتني الجميلة أصغي باهتمام لغناء أوبرالي وسألتني: ماذا تفهم من هذا الغناء.. ماذا يقول؟.. السؤال وجيه وطبيعي، والإجابة واجبة وضرورية.. وهذه سطور على هامش التوضيح، لا للجميلة صاحبة السؤال فقط، وإنما لكل المتسائلين عما يقول ذلك العمل الموسيقي -البحت- أو الغنائي، أو بقية الفنون الجميلة الأخرى.

قيمة العمل الفني لا تقتصر على المعنى المباشر له، وإنما تمتد إلى "كيف" تناول الشاعر هنا موضوع قصيدته..

ثيمات ومعالجات

هناك موضوعات دائمة التناول في الفنون والآداب نسميها "تيمات" أو "ثيمات" وهي موضوعات إنسانية متجددة مثل الحب بين الرجل والمرأة، والصراع بين الخير والشر، وهي موضوعات أزلية يتناولها البشر في كل زمان ومكان، والجديد يكون في طريقة التناول.. فنحن نرى تكراراً لقصة روميو وجولييت، في الشرق والغرب والشمال والجنوب، نراها فيلما أو رواية أو عملا موسيقيا أو لوحة، وكل فنان يعالجها من زاويته وبإحساسه وفهمه ورؤيته، ثم الخلاصة التي يريد توصيلها لنا.. حتى في الأعمال الأدبية -والمفروض أنها أكثر مباشرة من الفنون الأخرى لأنها تعتمد على اللغة والمفردات التي نستخدمها في حياتنا اليومية- ومع ذلك فإن فهمها يختلف من شخص لآخر، حسب درجة الثقافة والوعي، وهناك مصطلح شائع على المستوى العام وهو "قراءة ما بين السطور".. فمن الطبيعي أن يختلف الرأي من شخص لآخر إزاء رواية "اللص والكلاب" أو "ميرامار" لنجيب محفوظ -على سبيل المثال-.. كل من قرأ الروايتين-أو شاهدهما في السينما- استمتع وقضى وقتاً طيباً وكوّن فكرة خاصة به عما قرأ أو شاهد.. العمل واحد لكن الاختلاف هنا في التلقي.

شئ آخر نعرفه جميعاً.. النسبة العظمى من الدراما العربية - أفلاما أو مسلسلات تليفزيونية وإذاعية- تدور حول الحب أو الخير والشر والصراع بينهما دون أن نشعر بالملل أو أن الفكرة قديمة، لأن الجديد في كل مرة هو المعالجة وكيفية التناول والزاوية التي دخل الفنان منها لموضوعه.

تصوير موسيقي

كذلك في الموسيقى - وأقصد البحتة أو السيمفونية تحديداً لأنها أنسب للتطبيق- [والموسيقى والفنون الجميلة تحاكي الطبيعة في الغالب]، تجد السيمفونية تضجّ بالحركة أحياناً مصوّرة معركة حربية أو صراعاً بين شخصين، وترق في موضوع آخر لتصور رفيف أجنحة الطيور وغناءها، ومداعبة النسيم للزهور.. والآلات الموسيقية يحاكي أو يمثل أحد أصوات الطبيعة وينسج منها المؤلف الموسيقي دراما كاملة في ثوب من النغم، وبدون أن يعي المستمع ذلك فلن يخرج ما يسمعه عن كونه "خبط ورقع".. وبالتالي فلن يمكنه التجاوب مع السيمفونية الخامسة لبيتهوفن -مثلاً- التي تصوّر ذلك الصراع الأزلي بين الإنسان والقدر.. أما إذا كنا نستمع لعمل غنائي، فربما تكون الصورة أوضح نسبياً لأن كثيراً من الشباب تحديداً يستمعون لنجوم الغناء في الغرب، دون معرفة معاني الكلمات.. وإذا ما تساءلنا عن السبب، فإن الإجابة هي أن الاستماع يكون للموسيقى وطريقة الغناء، فالمستمع ليس شرطاً أن يفهم المعنى المباشر للأغنية، ولكنه يحسه من خلال أداء المغنّي والموسيقى طبعاً.. وكذلك يحرص الكثيرون على مشاهدة عمل ما أو الاستماع إليه بأداء فرق وفنانين مختلفين.. وكلنا يعرف أغنيات عربية كثيرة غنّاها عدد من المطربين، والفارق بينها أو الجديد فيها أسلوب تقديم كل منهم الأغنية.

كيف رسموا المرأة


في الفن التشكيلي نجد ملايين من لوحات الـ "بورتريه"، في اللوحات التي تتناول المرأة مثلاً، انظر كيف رسم "دافنشي" الموناليزا، وكيف صوّر "بيكاسو" نساءه، وكيف رسمها "روبنز".. أيضاً نجد الطبيعة قاسماُ مشتركاً في أعمال التشكيليين، ولكن نرى الاختلاف الكبير مثلا بين "مونيه" و"فان جوخ"، الأول رسمها هادئة وديعة، بينما صورها الثاني ثائرة جامحة.. فنان يرسمها مشبّعة بالألوان، هناك مدارس تعتمد على الرسم بالتنقيط، أو الخطوط معتمدة على الخداع البصري أو تكامل الرؤية، وآخرون يرسمونها بألوان صريحة وخطوط قوية تحس فيها بنعومة الفرشاة وكأنها تغنّي في يد الفنان.

صحيح أن الفنون جنون، ولكنها أيضاً أفكار ورؤى وأحاسيس وتصورات.. وكلها فيض من الجمال.


الثلاثاء، 30 مارس 2021

"حليم".. الهمس في القلوب




عبدالرحيم كمال

تمر السنوات ويظل " عبدالحليم حافظ" الحاضر الغائب، شادي الأرواح وساحر القلوب، يغني لنا فنسعد، نحب فنبحث عن أغانيه، ونحزن فنُلقى بأنفسنا في بحور دموع تذرفها حنجرته.

لماذا يعيش " عبدالحليم حافظ " في قلوب مئات الملايين حتى الآن، ومعظمهم وُلد بعد وفاة حليم، منذ حوالي نصف قرن من الزمان؟

هل السبب هو أن صوته هو الأجمل؟ الإجابة لا، هل صوته هو الأقوى؟.. لا، هل.. وهل.. وهل.. والإجابات كلها: لا.. لا..لا.

السبب الأول هو تلك الحساسية في حنجرة "حليم"، فهو يحس بالكلمة واللحن، ويجيد التعبير عن المشاعر.. "عبدالحليم حافظ " نقل الأغنية إلى منطقة جديدة هي منطقة الإحساس في الغناء.. وكما نقول في المثل الشعبي "اللي يطلع من القلب يخش -يدخل- القلب"، و"من القلب للقلب رسول"، ولأن غناء "حليم" نابع من القلب كان لابد أن يستقر في القلب.. وهي نظرية أثبتها العلم ودلل عليها التاريخ، وانظر مثلاً إلى "بيتهوفن" و"موتسارت" وأسباب انتشار ألحانهما حتى الآن بين مختلف الأعمار والطبقات، والسر في كل الحالات هو "الإحساس، رغم أن هناك عظماء آخرين كباراً في الموسيقى السيمفونية ولهم كامل التقدير ولهم طبعاً جمهور كبير، خذ مثالاً "باخ" و"هاندل" و"فرانز ليست" و"فاجنر" وغيرهم كثيرون وكلهم عظماء، لكن لم ألحانهم لا تعزف على أوتار القلوب كما عزف بيتهوفن وموتسارت.

في حالة "عبدالحليم حافظ " فإنه لو ظهر قبل انتشار الميكروفون، ماكان لأحد أن يسمعه، وإذا قارنا صوته بغيره من مطربي عصره -سابقين عليه أو لاحقين له بسنوات قليلة- فالنتيجة لن تكون في صالح "حليم".. فأين هو من حنجرة "محمد عبدالوهاب" أو "كارم محمود" و"أم كلثوم".. وفيما بعد بقليل هل من مقارنة بين حنجرتي "حليم" و"محرم فؤاد".. بالطبع لا.. بل إن كثيرين يتحيّزون لصوت "اسماعيل شبانة" شقيق "عبدالحليم" لأن صوت الأول أجمل وأكثر اكتمالا.. وهذا صحيح.. كلمة السر إذن في نجاح "حليم" هي ارتياده منطقة الإحساس في الغناء، وهي الرسالة التي استقبلتها الجماهير فأحسنت استقبالها.

السبب الثاني الهام في وصول "حليم" لهذا المستوى من التأثير، هو أن لديه مشروعاً غنائيا يؤمن به وبأهميته، وسخّر كل مواهبه وإمكاناته لخدمة هذا المشروع -معروف أن "عبدالحليم" كان ذكياً جداً ودؤوباً ولحوحاً في طلباته الفنية-.. وعاش من أجل فنه، ولم يعش على حساب فنه.. يعني أن همه الأول كان هو العمل، وبعد ذلك يأتي أي شئ آخر بما في ذلك صحته.. وقد رفض مثلاً الخضوع لعملية زرع كبد، وكان هذا النوع من العمليات ما يزال جديدا، ورفض "حليم" العملية لما تسببه من نسيان وعدم القدرة على التركيز، ونُقل عنه قوله في ذلك: يعني أطلع أغني أهواك ألاقي نفسي أقول بتلوموني ليه؟ -على ما أذكر ان "أهواك" كانت إحدى الأغنيتين المذكورتين في سياق الرد، ولكنني لست متأكداً من الأغنية الأخرى.

[بالمناسبة، هناك تسجيل تليفزيوني لحفلة يغني فيها "عبدالحليم حافظ" "أي دمعة حزن لا" وفيها ينسى كلمة في الأغنية وظل يكرر الجملة حوالي 6 مرات حتى تذكّر الكلمة الصحيحة، وكان واضحاً مدى المعاناة].

السبب الثالث الهام في درس "عبدالحليم حافظ" عن تربعه على عرش القلوب ذو صلة بالسبب الثاني.. فقد كان يبحث دائما عن الجديد، وارتبط عمداً بعدد من الشعراء والملحنين شكلوا تيارات مهمة في "الغنوة الحليمية" ويسعى إليهم، ومن أهمهم "بليغ حمدي" الذي قفز بألحانه لعبدالحليم سنوات ضوئية، وجاء سابقا لعصره ولاعلاقة له بالألحان السائدة ويتضح ذلك في الأغأني الطويلة بدءا من "زي الهوا" مروراً بـ "مداح القمر" و"موعود" ويتجلى أكثر في "حاول تفتكرني" و"أي دمعة حزن لا".

كما كان عبدالحليم ذواقة للشعر والموسيقى ويجيد اختيار مايناسبه، وأحياناً يطلب التغيير في الكلمات والألحان وهو ماكان يتم في الغالب.. وكان لـ "عبدالحليم" شلة أصدقاء -شأن الآخرين- لكن هذه الشلة كانت مثقفة واعية بالفن والثقافة والسياسة ومختلف أمور الحياة، وكانت استشاراتهم مفيدة انعكست على مانسمعه حتى اليوم.

رحم الله "حليم"

الدراما التليفزيونية: تسقط المدينة الفاضلة

الموضوع منشورا في موقع "عين على السينما" عبد الرحيم كمال وأخيرا “شهد شاهد من أهلها”، والشاهد هو الرئيس “عبدالفتاح السيسي” شخصيا...