الجمعة، 2 أبريل 2021

معنى العمل الفني

الموضوع منشورا في :الحوار المتمدن"

عبدالرحيم كمال

شاهدتني الجميلة أصغي باهتمام لغناء أوبرالي وسألتني: ماذا تفهم من هذا الغناء.. ماذا يقول؟.. السؤال وجيه وطبيعي، والإجابة واجبة وضرورية.. وهذه سطور على هامش التوضيح، لا للجميلة صاحبة السؤال فقط، وإنما لكل المتسائلين عما يقول ذلك العمل الموسيقي -البحت- أو الغنائي، أو بقية الفنون الجميلة الأخرى.

قيمة العمل الفني لا تقتصر على المعنى المباشر له، وإنما تمتد إلى "كيف" تناول الشاعر هنا موضوع قصيدته..

ثيمات ومعالجات

هناك موضوعات دائمة التناول في الفنون والآداب نسميها "تيمات" أو "ثيمات" وهي موضوعات إنسانية متجددة مثل الحب بين الرجل والمرأة، والصراع بين الخير والشر، وهي موضوعات أزلية يتناولها البشر في كل زمان ومكان، والجديد يكون في طريقة التناول.. فنحن نرى تكراراً لقصة روميو وجولييت، في الشرق والغرب والشمال والجنوب، نراها فيلما أو رواية أو عملا موسيقيا أو لوحة، وكل فنان يعالجها من زاويته وبإحساسه وفهمه ورؤيته، ثم الخلاصة التي يريد توصيلها لنا.. حتى في الأعمال الأدبية -والمفروض أنها أكثر مباشرة من الفنون الأخرى لأنها تعتمد على اللغة والمفردات التي نستخدمها في حياتنا اليومية- ومع ذلك فإن فهمها يختلف من شخص لآخر، حسب درجة الثقافة والوعي، وهناك مصطلح شائع على المستوى العام وهو "قراءة ما بين السطور".. فمن الطبيعي أن يختلف الرأي من شخص لآخر إزاء رواية "اللص والكلاب" أو "ميرامار" لنجيب محفوظ -على سبيل المثال-.. كل من قرأ الروايتين-أو شاهدهما في السينما- استمتع وقضى وقتاً طيباً وكوّن فكرة خاصة به عما قرأ أو شاهد.. العمل واحد لكن الاختلاف هنا في التلقي.

شئ آخر نعرفه جميعاً.. النسبة العظمى من الدراما العربية - أفلاما أو مسلسلات تليفزيونية وإذاعية- تدور حول الحب أو الخير والشر والصراع بينهما دون أن نشعر بالملل أو أن الفكرة قديمة، لأن الجديد في كل مرة هو المعالجة وكيفية التناول والزاوية التي دخل الفنان منها لموضوعه.

تصوير موسيقي

كذلك في الموسيقى - وأقصد البحتة أو السيمفونية تحديداً لأنها أنسب للتطبيق- [والموسيقى والفنون الجميلة تحاكي الطبيعة في الغالب]، تجد السيمفونية تضجّ بالحركة أحياناً مصوّرة معركة حربية أو صراعاً بين شخصين، وترق في موضوع آخر لتصور رفيف أجنحة الطيور وغناءها، ومداعبة النسيم للزهور.. والآلات الموسيقية يحاكي أو يمثل أحد أصوات الطبيعة وينسج منها المؤلف الموسيقي دراما كاملة في ثوب من النغم، وبدون أن يعي المستمع ذلك فلن يخرج ما يسمعه عن كونه "خبط ورقع".. وبالتالي فلن يمكنه التجاوب مع السيمفونية الخامسة لبيتهوفن -مثلاً- التي تصوّر ذلك الصراع الأزلي بين الإنسان والقدر.. أما إذا كنا نستمع لعمل غنائي، فربما تكون الصورة أوضح نسبياً لأن كثيراً من الشباب تحديداً يستمعون لنجوم الغناء في الغرب، دون معرفة معاني الكلمات.. وإذا ما تساءلنا عن السبب، فإن الإجابة هي أن الاستماع يكون للموسيقى وطريقة الغناء، فالمستمع ليس شرطاً أن يفهم المعنى المباشر للأغنية، ولكنه يحسه من خلال أداء المغنّي والموسيقى طبعاً.. وكذلك يحرص الكثيرون على مشاهدة عمل ما أو الاستماع إليه بأداء فرق وفنانين مختلفين.. وكلنا يعرف أغنيات عربية كثيرة غنّاها عدد من المطربين، والفارق بينها أو الجديد فيها أسلوب تقديم كل منهم الأغنية.

كيف رسموا المرأة


في الفن التشكيلي نجد ملايين من لوحات الـ "بورتريه"، في اللوحات التي تتناول المرأة مثلاً، انظر كيف رسم "دافنشي" الموناليزا، وكيف صوّر "بيكاسو" نساءه، وكيف رسمها "روبنز".. أيضاً نجد الطبيعة قاسماُ مشتركاً في أعمال التشكيليين، ولكن نرى الاختلاف الكبير مثلا بين "مونيه" و"فان جوخ"، الأول رسمها هادئة وديعة، بينما صورها الثاني ثائرة جامحة.. فنان يرسمها مشبّعة بالألوان، هناك مدارس تعتمد على الرسم بالتنقيط، أو الخطوط معتمدة على الخداع البصري أو تكامل الرؤية، وآخرون يرسمونها بألوان صريحة وخطوط قوية تحس فيها بنعومة الفرشاة وكأنها تغنّي في يد الفنان.

صحيح أن الفنون جنون، ولكنها أيضاً أفكار ورؤى وأحاسيس وتصورات.. وكلها فيض من الجمال.


الدراما التليفزيونية: تسقط المدينة الفاضلة

الموضوع منشورا في موقع "عين على السينما" عبد الرحيم كمال وأخيرا “شهد شاهد من أهلها”، والشاهد هو الرئيس “عبدالفتاح السيسي” شخصيا...