‏إظهار الرسائل ذات التسميات سياسة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات سياسة. إظهار كافة الرسائل

السبت، 4 يناير 2025

"بيت خالتي".. رواية تفضح آلة التعذيب السورية

قراءة للرواية السورية "بيت خالتي" منشورة بموقع "الحوار المتمدن"

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=853400

-بيت خالتي-.. رواية تفضح آلة التعذيب السورية


عبدالرحيم كمال 

الحوار المتمدن-العدد: 8210 - 2025 / 1 / 2 - 11:15
المحور: الادب والفن

عبدالرحيم كمال

"بيت خالتي" اسم حركي للمعتقلات السورية، وبقدر مافي الاسم من كناية، فإن فيه الكثير من السخرية المرة، فبيت الخالة عادة يعني الحب والحنان والعطف، والخالة والدة في ثقافتنا الشعبية، فيما المعتقل لايحمل شيئا من هذه الصفات، بل يحمل ضدها، وهو مايستعرض بعضا منه المؤلف "أحمد خيري العمري" في روايته "بيت خالتي" التي صدرت في عام 2022.


تدور أحداث الرواية بين سوريا -حيث المعتقلات- وألمانيا حيث يعيش كثير من الشخوص، وتتمحور حول "أنس خزنجي" الشاب السوري الذي يدرس الطب في ألمانيا، ولكنه يتحول عنه لدراسة الإخراج السينمائي.. ورغم محورية شخصية "أنس"، فإن الحديث عنه يكون بالاستعادة/ بصيغة الماضي، فالرواية تبدأ بالبحث عنه لنكتشف انتحاره في شقته.

أسباب متقاطعة

يمارس المؤلف التحليل النفسي للشخوص عبر شخصية "يزن" ابن خالة "أنس" وهو طبيب نفسي يعيش في ألمانيا، لكن في مدينة بعيدة عن برلين حيث يعيش "أنس"، ليناقش الأسباب النفسية التي تجعل "أنس" ينتحر، ولا يجد القريبون منه سببا منطقيا للانتحار، فهو شاب وسيم، ناجح واجتماعي وابن عائلة سورية كبيرة وميسور الحال.. لكن "نور" -صديقة "أنس"- تكشف لـ "زين" عن شريط سينمائي وثائقي كان "أنس" يعمل عليه منذ سنوات، يتناول فيه الأحداث البشعة التي تحدث في "بيوت خالات" السوريين، وقد صوّر شهادات لعدد كبير ممن تعرضوا للاعتقال.. ليبدأ "زين" في الاكتشاف التدريجي لعمق وتعقد المشكلة، فتوضح له "نور" خضوع "أنس" لجلسات علاج نفسي في الشهور الأخيرة، ثم انطواءه وابتعاده عن الناس مؤخرا، وكلها تشير إلى اكتئاب يمكن أن يؤدي إلى الانتحار.. لكن تساؤلا يطرح نفسه إزاء الحالة التي وُجد "أنس" عليها معلقا في السقف، فكل شئ في البيت مرتب ومنظم، حتى أن الأواني في المطبخ نظيفة، مما يبتعد بالفكر عن فكرة الانتحار.

المعادل لفكرة إنتحار "أنس" هي إقدام أحدهم على تنفيذ الجريمة بهذا المستوى، وتتجه أصابع اتهام "الثوريين" من السوريين إلى تنفيذ النظام السوري للعملية، بعد عدة أحداث تشير لقلق النظام من خروج الفيلم إلى النور، ومنها موقف إحدى الشركات الداعمة التي تضع شروطا لـ "تمييع" الموضوع وتحويل خطاب الفيلم إلى جهة أخرى، بحيث لا يشير إلى النظام السوري، وهي ضغوط يرفضها "أنس".. فيما أنه عند اكتشاف البوليس الألماني للانتحار يكون "أنس" -أو منفذ العملية- قد وضع أغنية "أنا الدمشقي" لـ "أصالة نصري" في مقدمة مسلسل "نزار قباني":

((أنا الدمشقي.. لو فتحتم شراييني بمُديتكم

سمعتم في دمي أصواتَ من راحوا

أنا الدمشقي لو شرَّحتُمُ جسدي

لسال منه عناقيدٌ وتفاحُ

مآذنٌ الشّامِ تبكي إذْ تعانقُني

وللمآذنِ.. كالأشجارِ أرواحُ

وكيف نكتبُ والأقفالُ في فمِنا

وكلٌّ ثانيةٍ يأتيك سفَّاحُ

حملتُ شِعري على ظهري فأتعبني

ماذا من الشِّعر يبقى حين يرتاحُ))

من الفاعل

يعتبر "زين" أن الأغنية إشارة ذات مغزى، فهل "أنس" هو الذي وضعها على وضع الإعادة بجهاز التليفون Answer Machin ، هل انتحر "أنس"، أم شنقوه في بيته بعملية مخابراتية، أم "انتحروه" -دفعوه للانتحار-؟ يظل السؤال معلقا دون أن تجيب سطور الرواية عنه، لتفسح للأحداث ومقاطع الفيلم مساحة للتكهن عمن يكون الفاعل.

تعود بدايات الأحداث إلى أيام الربيع العربي في عام 2011، حيث يرفع الشباب شعارهم "لا سلفية ولا أخوان.. ثورتنا ثورة شبان"، فيما كان شعار الشبِّيحة -رجال النظام- (الأسد أو نحرق البلد)، بعدها تم اعتقال "كنان" وهو  صديق "أنس" وحُكم عليه بالسجن المؤبد، وعُثر على صديقه الآخر "معاذ" مقتولا في دمشق، ويتضح فيما بعد أن من قتله هم الثوار بعد اكتشاف تعاونه مع الأمن، لتبدأ بوادر العصف النفسي -ثم عدم الإتزان- عند "أنس"، التي ربما يكون قد زادها عصفا المعلومات التي قدمها المعتقلون الذين أدلوا بشهاداتهم في الفيلم.



خبرة ألمانية

يوثق المؤلف انضمام "ألويس برونر" وهو ضابط نمساوي إلتحق بالحزب النازي وأصبح من كبار ضباط سرية الحماية الخاصة بهتلر، وكان المساعد الأول لـ "أدولف إيخمان" الذي كان من كبار الضباط المسئولين عن هندسة وتنفيذ المرحلة الأخيرة من الهولوكوست، وكان المسئول عن اختراع شاحنات الغاز التي  سبقت أفران الغاز في معسكرات الاعتقال..وقد هرب "برونر" في عام 1945 إلى مصر أولا ثم إلى سوريا، حيث عمل مستشارا خاصا للرئيس، ومستشارا في شئون التحقيق والتعذيب، لذا فإن "بيت خالتي" السوري يشبه معتقل "أوشفيتز" الألماني، مع العمل على تحديثه دوما.

مشاهد من الداخل

اعترافات مفزعة يدلي بها الشهود في الفيلم/ الرواية، توضح عدم وجود سقف للتعذيب وابتكار وسائل متجددة أكثر عنفا وإهانة وسحقا لشخصية المعتقلين، بدنيا ومعنويا.. فماذا قالوا؟


إنكار لله والرسول

معتقل يقول: "........ كانت هناك فتاة عارية تماما معلقة في رافعة، كانت آثار التعذيب ظاهرة عليها، بقع الحروق على صدرها وإبطها، كانوا يطفئون سجائرهم هناك، كانت تقول للسجان: مشان الله، فيرد: الله غير موجود الآن، وعندما كانت تقول: مشان النبي، كان يرد عليها: النبي مجاز اليوم..... ثم أخرج الولاعة من جيبه وأحرق شعر عانتها.. آخر ما أذكر كان رائحة الشياط، ثم رحت في غيبوبة".

الاغتصاب بالديمقراطية

تقول معتقلة أخرى أنها كانت تُغتصب كل يوم، وخيروها بين الاغتصاب الجماعي أو المنفرد (حفلة أو سهرة) وكان اعتصابها يتم وفي الخلفية صوت آيات تتلى من سورة النساء، وهو ما تكرر كثيرا، وتقول "أعرف أنهم في الثمانينيات كانوا يوشمون عبارات معينة على أجساد المعتقلين، مثل: الأسد ربي، أو لا إله إلا الأسد"..

تذكر "جوري" -نور- أن صورة الأسد كانت معلقة  في السقف فوق سرير الاغتصاب، إذا فتحت عينيها ستجد صورته أمامها وهو يبتسم، المعتقلات كن يجبرن على الغناء لبشار "نحنا رجالك يابشار، ومنحبك".




تعذيب على صوت فيروز

"كنان" -صديق أنس- يدلي بشهادته: هناك سجان وسخ للغاية، ربما أوسخ من مر عليّ، كنا نسميه "عاصي" على "اسم "عاصي الرحباني"، لأنه كان يعذبنا والموبايل في جيبه يصدح بأغاني فيروز.. كسر سني الأمامي وهو يسمع "رجعت الشتوية"، وكسر ثلاثة ضلوع على "شابف البحر"، وقتل أحد الأطباء المعتقلين ضربا بالجدار حتى الموت بينما كانت الأغنية "كيفك أنت".. ومعتقل آخر يقول: كل سرير في مشفى المزّة العسكري كان عليه ستة أشخاص تقريبا، كل منهم مقيد بقدم واحدة إلى السرير، أحيانا كثيرة كانوا يقضون حاجتهم على أنفسهم والباقين بجروجهم وإصاباتهم المختلفة، بحيث يتحول كل سرير إلى مكان لانتقال العدوى"، وشهادة أخرى "ربما كان الجوع من أصعب ما مررنا به في السجن، بسبب سوء الأوضاع وقلة النظافة، كانت أقدامنا تنتفخ وتتشقق، تصبح أقدامنا مثل جذع شجرة بخشونته وملمسه، وبسبب الجوع الشديد، كنا نأكل جلد أقدامنا، أحيانا كان البعض يتمادى فيأكل جلد زميله الجالس بجانبه".

سخرية الألم

يسخر أحد المعتقلين سخرية مرة من نفسه بعد عودته من جلسة التعذيب وهو غير قادر على المشي، كان يترنح بين الجالسين ويعتذر منهم لعدم قدرته على السيطرة على سيره، أخبرنا بأنهم أجبروه على الجلوس على قنينة مياه غازية، كان يقول (خوزقوني) وهو يحاول أن يداري ألمه بالسخرية من نفسه، وطبيب أسنان ينظفون أسنانه بفرشاة المراحيض، ومعتقل يقول: في مرة كنت اسحب جثة معتقل، وقلت للجالسين: وسعوا يا شباب، معنا شهيد. لم أنتبه للسجان خلفي، ضربني بشدة على رأسي وشتمني وشتم أهلي وهو يصحح لي: اسمه (فطيس) فاعتذرت له.. ومعتقلة تقول: إغتصبوا أمامي فتاة في الصف التاسع (الثالث الإعدادي)، تناوب عليها ستة عساكر، ومعتقل يشير: كان هناك ثلاثة أطفال بيننا كلهم دون العاشرة، واحد منهم تعرض لتعذيب شديد عندما جاءوا به أول مرة، كان متهما بإدخال المياه لمخيم اليرموك، ومعتقلة تقول: في يوم واحد إغتصبت عشر مرات.




كسر رقبة ميت

معتقل آخر يدلي بشهادته: كنت أعمل سخرة "موت" أي يحمل الجثث، أحمل كل يوم أنا وثلاثة من المعتقلين معي حوالي عشر جثث، تأتي شاحنة كبيرة تحمل حوالي 30/ 40 جثة أخرى، كان علينا أن نحشر الجثث الجديدة بين الجثث القديمة لكيلا تسقط كل الجثث علينا،غالبا كنا نضطر لكسر رقبة الميت أو يده كي نضعه في الشاحنة.

شو بدك سيدي

معتقل آخر يقول: في مرة أخرجوني إلى حديقة خلفية فيها قبور محفورة جاهزة للدفن، دفعني المحقق إلى واحد منها، وأخذ يطمرني بالتراب، وأنا أصرخ وأستغيث، بعد أن يغطيني التراب كليا يقول لي: هل ستقول كل الأسماء التي تعرفها؟ أرد عليه (شو مابدك سيدي).

اقتلوني.. الموت أرحم

بعد عمليات تعذيب تستمر 20 ساعة، كان النوم ممنوعا والأكل والشرب، الشرب الوحيد المسموح به كان ماء الشطف، ماء يختلط فيه البول والدم، كان مسموحا أن ننزل إلى الأرض لنلحسه.. كنت أقول في نفسي: اقتلوني، هذا أرحم.



الاعتقال للجميع

يشير المعتقلون إلى أن بيت الخالة يسستقبل جميع المعارضين، والعلويون -عائلة الأسد- ليسوا استثناء ويدخلون المعتقل، يقول أحدهم: في السجن كان المسجونون يخافون أن أكون جاسوسا عليهم، وعندما خرجت من المعتقل لم يرحب اهلي بي واعتبروني ميتا أو مفقودا، بسبب توجيهات النظام لهم وخشيتهم منه.

نظام يأكل نفسه

نموذج آخر تقدمه الرواية/ الفيلم من خلال شخصية "هدباء الحماصني" وهي من "القبيسيات" -مجموعة تدعو للتدين- وتستطيع التواصل مع أسرة "الأسد"، فتتصل بـ "بشرى الأسد" شقيقة بشار، ثم آسماء زوجته، ومع ذلك تم اعتقال ابنتها "نور"، التي تعرضت لحالات اعتصاب  متتالية، كما تقول في شهادتها بالفيلم تحت اسم "جوري"، في إشارة إلى أن النظام يأكل نفسه.


 

بكرة ميت

انغماسا في القتل والتعذيب يطلق أحد الضباط على نفسه اسم "هتلر"، ويبقى العنصر المشترك بين كل بيوت الخالة السورية هو حرص الضباط والجنود على إخفاء وجوههم عن المعتقلين، يقول معتقل: كانوا يقولون لنا بصراحة: تريدون أن تحفظوا وجوهنا كي تذبحونا عندما تخرجون، لذلك كانوا قبل أن يدخلوا زنزاتنا يأمروننا بأن ندير وجوهنا نحو الحائط، وعند التعذيب يضعون "طماشة" -عُصابة- على عيوننا، وقد حدث أن رأى أحد المعتقلين وجه أحد عناصر الأمن، فقال له العنصر: شفتني زين؟.. بكرة ميت، وقد تم قتل المعتقل بالفعل في اليوم التالي.

تتضمن الرواية عدة خيوط درامية، منها المسجونون الذين يتحولون لسجانين، وهي فكرة تستحق رواية مستقلة، ومنها خيوط فرعية كاشفة للمجتمع السوري والعلاقات بين الأفراد والجماعات والعائلات، منها من يعتبرون أنفسهم شوام خالصين، فيما يرون الآخرين دون ذلك، وعلاقة الحب المتنامي بين "نور" و"زين" فيطلب الزواج منها، وتنهي الرواية بالنتظار بعد عرض الفيلم على يوتيوب وتحقيقه رقما عاليا من المشاهدات، ثم تحول نسبي في شخصية "زين"، فبينما كان رماديا، محايدا، من حزب الكنبة/ حزب نفسي نفسي، تطور الأمر ليتعاطف مع "اسباب الثورة، في قناعة بجدوى الأحداث العاصفة التي مرت بها سوريا ومجايلوه من الشباب وصحة رؤاهم.


أحمد خيري العكري- المؤلف
أحمد خيري العمري- المؤلف





السبت، 24 فبراير 2024

..وماذا لو كان عبدالناصر أخوانيا؟

 


عبدالرحيم كمال

منذ سنوات طويلة بنيت قناعتي بتجذّر الإخوان المسلمين في الوجدان المصري، هذا التجذّر يختلف من شخص لآخر، حسب ثقافته وتجاربه -السياسية- وما زلت على قناعتي التي تزيدها الأحداث رسوخا وثقة داخلي على الأقل.

للطرح بداية

ورغم تجنبي للموضوعات السياسية، فإن فضل طرحي للموضوع يعود للصديق الحميم "سعيد أبوالعزايم" الذي يحاول الصمود في وجه مانعانيه من انهيار ثقافي عبر صالونين ثقافيين، إذ سألني عن رأيي في كتاب " الحقيقة.. شهادات ووثائق..هل كان عبدالناصر أخوانيا؟" لمؤلفه المحامي الأخواني -سابقا- "ثروت الخرباوي".

كانت إجابتي الأولى والعاجلة عليه أن "عبدالناصر" كان متعاطفا مع الأخوان وسبق له التعامل معهم في أحداث فلسطين ثم في داخل مصر، وهذا شئ لا غضاضة فيه.

 


سؤال ولا إجابة

يعرض "الخرباوي لنقطة جوهرية وفي غاية الأهمية عند تحليله لشخصية "جمال عبدالناصر"‘ فهو يكشف إعجاب "عبدالناصر" بسيف الدين قطز، ويُيرجع ذلك إلى صفة التحدي التي ميزت قطز، كما أن "عبدالناصر" كان معجبا بكل النماذج التاريخية المتحدية لواقعها المحيط، ويميط "الخرباوي" اللثام عن سبب عشق المصريين لـ "عبدالناصر"إلى جينات التحدي في الشعب المصري والتي اتحدت مع صفة الزعيم المتحدي، فبينما كان أن يطيح المصريون بـ "عبدالناصر" بعد نكسة 1967، فوجئ العالم بهدير الشعب يرفض استقالة الزعيم في طاهرة غريبة لايفسرها هو هذا التحدي الذي يدمع بين شعب وزعيم.. عموما "الخرباوي" يحاول الإجابة عن تساؤله العريض -موضوع الكتاب- عن علاقة "جمال عبدالناصر" بالأخوان المسلمين، وهل انضم إلى الجماعة وهل حصل على عضويتها، ومدى تفاعله معها.. ويعرض عدة شهادات لبعض الأعضاء الأخوان أو قيادات الضباط الأحرار، وكلها شهادات متضاربة، لاتُثبت ولاتَنفي الموضوع، الذي -لو حدث- لايمثل تهمة لعبدالناصر أو غيره طالما أن الموضوع يمثل رافدا للعمل الوطني، وطالما أنه في إطار المشروعية.. لكنه يذكر عدة مرات قول "عبدالناصر" أن الأخوان طلاب سلطة لا كفاح وطني.

ليس جديدا

موضوع "عبدالناصر" وعلاقته بالأخوان، في رأيي ليس جديدا، وإن كان المطلوب البحث والتدقيق والتثبت في القضايا التاريخية المطروحة للبحث دوما.. وربما ما يهمني أكثر هو رأي "عبدالناصر" في الاتحاد السوفييتي وإلحاد الشيوعية التي كان يحاول تصديرها إلى العالم.. ومع "عبدالناصر" يذكر المؤلف "خالد محيي الدين" و"عبدالحكيم عامر" وغيرهما من الضباط الأحرار انخرطوا أو تعاطفوا مع الأخوان بدرجات مختلفة.



ماذا عن "مبارك

لكن السؤال الجديد الذي يطرحه "الخرباوي" في "هل كان عبدالناصر أخوانيا؟" هو ما ذكره عن "حسني مبارك" وإذا ما كان أخوانيا، وإن كان الموضوع انتهى سريعا بأنها علاقة تعاطف لـ "مبارك" بالأخوان في شرخ الشباب انتهت عقب التحاق "مبارك" بالكلية الحربية.



خدمة مجانية

في هذه النقطة فإن قناعتي بالتعاطف الشعبي الكاسح مع الأخوان، تزايد بعد ثورة أو انقلاب 2013 -سمه ماشئت- وهو ما أضاف  الكثير من التعاطف الشعبي معهم، ورغم فشل الأخوان السياسي خلال فترة حكمهم التي لم تزد عن العام، فإن المصريين في غالبيتهم لم يصلهم ما يقنعهم بهذا الفشل، وانضمت أحداث 2013 في أذهان الجماهير إلى سلسلة المؤامرات المحاكة للأخوان وكل ما هو إسلامي.



ماذا خسر الأخوان؟

ورغم ما نعرفه عن خبايا وأسرار فترة حكم الأخوان لمصر، فإن صورة الأخوان في المخيال الشعبي براقة وأنهم تعرضوا -كالعادة- للتجني عليهم، وأن البدايات الكارثية التي بدأوا بها حكمهم كانت ستقود إلى الازدهار السياسي والاقتصادي.. ولذلك، فإن رؤيتي أنه كان من الحكمة تمكين الأخوان ليستمر حكمهم فترة كاملة -أربع سنوات دستورية- نعرف بعدها جميعا نتيجة الحصاد ونحاسبهم عليه.

خذلان طوائف الشعب

وهنا لابد من التذكير بأن اليسار المصري بكل طوائفه اصطف خلف الأخوان في انتخابات الرئاسة -محمد مرسي- لسببين: أنها المرة الأولى ليحكمنا رئيس مدني منذ 1952، ووصولهم للحكم عن طريق إنتخابات شرعية، تمنحهم  حق الوصول للحكم، فيما يصب في نهر تداول السلطة.

تجارب شخصية

في إطار تجربتي الشخصية فإنني قضيت فترة من حياتي متعاطفا مع الأخوان، وكانت بين سن 18- 22 عاما، ثم بدأت أتوجه عقلانيا لليسار بتوجهاته المختلفة، وهي مسألة طبيعية ألاحظها في كتيرين من الشباب المصري -المثقف والباحث دوما عن الحقيقة- أذكر أنه في أواخر السبعينيات حضرت ندوة للشيخ "عمر التلمساني" مرشد الأخوان، والندوة كانت مقامة في نادي الشبان المسلمين بقنا جنوب مصر، وأذكر مما قاله "التلمساني" أنه يؤيد توجه مصر نحو أمريكا والغرب المسيحي باعتباره صاحب ديانة سماوية بدلا من الانصياع للاتحاد السوفييتي، ولا تعليق لديّ هنا.



الخلاصة أن الطبيعة المتدينة للشعب المصري تدفعه للتعاطف مع الأخوان، خاصة في سن الشباب، على جميع المستويات، القاعدة الشعبية العريضة، أو من يعدهم القدر للقيادة حتى يتم اكتشاف الحقائق ويبني كل شخص قناعاته حسبما يرى.


الأحد، 18 فبراير 2024

المصريون والسعودية؟؟ غيرة أم حسد؟




 عبدالرحيم كمال

سؤال ليس غريبا تلقيته من أحد القراء عن سبب غيرة المصريين من السعودية، لأجيبه: للأسف نعم، وأنا شخصيا أغار من السعودية مع تمنياتي لهم بكل توفيق، ليس فقط لأنهم عرب ومسلمون، لكن لأنهم أولا وأخيرا يعملون بجد، نقلوا المملكة من السفح إلى الذرى في غضون سنوات قليلة.. 

خمسة أسباب

أولا: إنحازوا للعقل وانقلبوا على أحاديث الآحاد المنسوبة للنبي الكريم -وعددها بالآلاف- والتي طالما صدعنا الشيوخ إياهم بصحتها وقدسيتها ومارسوا إذلالنا بها طوال التاريخ، وألغاها بن سلمان بجرة قلم، ولم ينطق أحد من رجال الدين على طول العالم الإسلامي وعرضه، ثانيا: بقرار تاريخي مستنير، سمحت المملكة للمرأة السعودية بقيادة السيارة بعد حرمانها منها طوال التاريخ بحجج متخلفة.. ثالثا: عادت السعودية إلى رشدها وأنشأت المئات من دور السينما بعدما كانت محرمة لديهم، بل ونظمت مهرجانات سينمائية دولية شاركت فيها عدة أفلام محلية سعودية.. رابعا: الفكرة العبقرية بتكوين هيئة الترفيه، وما تطرحه من فعاليات مدهشة تعتمد بشكل كبير على الفنانين العرب، وبشكل أساسي على الفنانين والفنيين -بل والجمهور- من المصريين.. خامسا: كشفت السعودية الغطاء عن مدن وربوع فيها تستحق الزيارة وطرحتها كمعالم سياحية متميزة -منها مدينة العلا- لترسخ المملكة نفسها كوجهة سياحية للملايين بعد أن كانت تعتمد فقط على السياحة الدينية.. وهناك مشروعات ضخمة يجري العمل فيها.


متأخرون ولكن

صحيح أن الانتباه لهذه الإمكانات تم في وقت متأخر جدا، وبعد دق عشرات ومئات وآلاف أجهزة الإنذار من قرب نضوب النفط كوقود أحفوري -مقدر له عام 2050- لكن أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي.

نعم.. السعودية أنفقت ملايين المليارات على هذه المشروعات، لكنها تجني منها الآن مليارات الدولارات، وستتصاعد الأرقام لتقدَّر مستقبلا بمئات وآلاف المليارات..أليس من حقي أن أغير كمصري من أخوتي السعوديين -مع تقديري لإنجازاتهم في هذا المجال تحديدا، وغيرتي منهم ليست حسدا، فأنا أثمّن من يعملون ويفكرون ويقدمون الجديد مهما كان جنسهم ودينهم، فما بالنا إذا كان صاحب الإنجاز أخا لنا نتمنى له مانتمناه لأنفسنا.



تكريم نجوم مصر

أخيرا، ماذا نقول عن تكريم هيئة الترفيه لنجوم الفن المصري، رياض السنباطي وبليغ حمدي ومحمد عبدالوهاب ومحمد الموجي وعبدالحليم حافظ ونجاة الصعيرة وهاني شنودة ومحمد منير وغيرهم.. طبعا بقدر سعادتي بهذه التكريمات، لكنني حزين ألا تأتي التكريمات من مصر، نفس الشعور بالحزن من سوء تسويق مصر لآتارها -وهي الأهم في العالم.



مصر تصدّر السياحة للسعودية

ثم كيف نرى فكرة إقامة مباراة السوبر بين قطبي الكرة المصرية -الأهلي والزمالك- في السعودية -بالمناسبة الإمارات كانت سباقة في الفكرة واحتضنت عدة فعاليات رياضية مصرية كان منها مباراة الأهلى وبيراميدز-، أليس من الطبيعي والأجدى أن تقام هذه الفعاليات في مصر لتنتعش بها خزانة الدولة.. صحيح أن الناديين وقلة من المسئولين وبعض الجهات المعنية سيستفيدون من ذلك ماديا، فيما أن هذه الفعاليات لو أقيمت في مصر فالفائدة ستشمل الجميع، الكبير والصغير، والصغير هم أصحاب وسائل النقل، وصانعو الأعلام وقمصان الفريقين، وصانعو الأبواق والطبول والشخاليل، والفنادق والمطاعم الكبير منها والصغير حتى عربات الوجبات في الشوارع، والمقاهي مع الأخذ في الاعتبار العاملين بهذه المشروعات.



تخريب متعمد

ثم ألا يمثل ذلك تقويضا متعمدا للسياحة، فبدلا من تعدد الأنشطة الجاذبة للسياحة،نصدّرها للخارج ومعها مصريون يحلون بالآلاف سياحا على هذه الدول؟

الثلاثاء، 9 يناير 2024

تفصيل ثانوي.. رواية تكشف المنهج الإسرائيلي في إبادة الفلسطينيين

 عبدالرحيم كمال

دون أن يقصد، تسبب معرض فرانكفورت الدولي للكتاب -أهم معرض في العالم- والذي يقام سنويا بألمانيا في شهرة ضافية لرواية "تفصيل ثانوي" للكاتبة الفلسطينية "عدنية شبلي"، فبينما كان المعرض يستعد للاحتفاء بالرواية وتكريم كاتبتها في دورته الماضية -2023- إذا به يلغي التكريم استنادا إلى أن الرواية معادية للسامية، ليعود الشئ إلى أصله، ويثبت -من جديد- زيف الحضارة الغربية وكيلها بمكيالين، وهي فضيحة مهمة تصب في مصلحتنا لو أحسنّا تضخيمها، وضمها مع عشرات من الفضائح تصم جبهة الغرب.

استغرقت المؤلفة "عدنية شبلي" في تأليف روايتها -القصيرة- عشر سنوات كاملة، كانت فيها تحتضن جرحها الوطني والأدبي، حتى انتهت منها وصدرت في عام 2017.




منهج الإبادة

تثير الرواية مبدئيا السؤال العريض عن علاقتها بأحداث غزة الدائرة حتى اليوم منذ السابع من أكتوبر الماضي، والتي يتزايد توحد العالم حولها بأنها حرب إبادة تمارسها إسرائيل ضد أهل غزة، النهج نفسه والفلسفة ذاتها والتبريرات عينها، فتتناول المنهج الإسرائيلي الثابت في القضاء على أي شئ يمكنه تهديدهم.

تتشكل الرواية من جزئين، تستعرض "عدنية" في الأول بصوت الراوي إلقاء كتيبة اسرائيلية القبض على فتاة فلسطينة في صحراء النقب في عام 1949، ليتم اغتصابها مرات عديدة من قبل الجنود وقائدهم، ثم قتلها رمياَ بالرصاص وإلقاؤها في حفرة في قلب الصحراء.



تزييف التاريخ والجغرافيا

في الجزء الثاني يأتي سرد الأحداث بصوت المتكلم، من خلال باحثة فلسطينية تقيم في "رام الله" تقرأ في صحيفة إسرائيلية مقالاَ عن حادثة فتاة صحراء النقب -يكون قد مرّ عليها نصف قرن- لتتصل بكاتب المقال وتحصل منه على مصادر المعلومات المتوافرة حول الحادثة، ويشير إلى وجودها في عدة متاحف في القدس وتل أبيب، لتخوض مغامرتها للتحايل على كيفية الذهاب لهذه الأماكن -الممنوعة على الفلسطينيين المقيمين في قطاعات أخرى- لتستعرض الرواية مناطق فلسطين كما تحتفظ بها الذاكرة الفلسطينية عبر الأجيال، وما شهدته من تغيير على أيدي الإسرائيليين، في محاولة أولى لفضح عمليات سلخ اسرائيل حاضر المناطق عن ماضيها، وتزييف وعي الأجيال الفلسطينة الجديدة والعالم.

ختامها رصاصة 

 وتتوصل الباحثة في نهاية رحلتها -التي لم تعد منها- إلى ممر جبلي يمكن عبوره مشياً على الأقدام، فتترجل من سيارتها لتكتشف ما يؤدي إليه الممر لتجد أنها في منطقة عسكرية إسرائيلية، ليجئ الختام رصاصة إسرائيلية تستقر في رأس الباحثة، لتربط الماضي بالحاضر.



 تاثير إضافي

تترك الرواية -على قصرها وحيادية اللغة- تأثيرها البالغ على القارئ -المحايد- في كشفه لهمجية إسرائيل ونهجها في القضاء على كل مايمكنه أن يكون مهدداَ لهم، في إضافة حقيقي ة للأعمال الفنية الفلسطينية والكفاح عبر الثقافة وزيادة الوعي.

الدراما التليفزيونية: تسقط المدينة الفاضلة

الموضوع منشورا في موقع "عين على السينما" عبد الرحيم كمال وأخيرا “شهد شاهد من أهلها”، والشاهد هو الرئيس “عبدالفتاح السيسي” شخصيا...