عبدالرحيم كمال
منذ سنوات طويلة بنيت قناعتي بتجذّر
الإخوان المسلمين في الوجدان المصري، هذا التجذّر يختلف من شخص لآخر، حسب ثقافته وتجاربه
-السياسية- وما زلت على قناعتي التي تزيدها الأحداث رسوخا وثقة داخلي على الأقل.
للطرح بداية
ورغم تجنبي
للموضوعات السياسية، فإن فضل طرحي للموضوع يعود للصديق الحميم "سعيد أبوالعزايم"
الذي يحاول الصمود في وجه مانعانيه من انهيار ثقافي عبر صالونين ثقافيين، إذ سألني
عن رأيي في كتاب " الحقيقة..
شهادات ووثائق..هل كان عبدالناصر أخوانيا؟" لمؤلفه المحامي الأخواني -سابقا-
"ثروت الخرباوي".
كانت إجابتي الأولى والعاجلة عليه أن
"عبدالناصر" كان متعاطفا مع الأخوان وسبق له التعامل معهم في أحداث
فلسطين ثم في داخل مصر، وهذا شئ لا غضاضة فيه.
سؤال ولا إجابة
يعرض "الخرباوي لنقطة جوهرية وفي غاية الأهمية عند تحليله لشخصية "جمال عبدالناصر"‘ فهو يكشف إعجاب "عبدالناصر" بسيف الدين قطز، ويُيرجع ذلك إلى صفة التحدي التي ميزت قطز، كما أن "عبدالناصر" كان معجبا بكل النماذج التاريخية المتحدية لواقعها المحيط، ويميط "الخرباوي" اللثام عن سبب عشق المصريين لـ "عبدالناصر"إلى جينات التحدي في الشعب المصري والتي اتحدت مع صفة الزعيم المتحدي، فبينما كان أن يطيح المصريون بـ "عبدالناصر" بعد نكسة 1967، فوجئ العالم بهدير الشعب يرفض استقالة الزعيم في طاهرة غريبة لايفسرها هو هذا التحدي الذي يدمع بين شعب وزعيم.. عموما "الخرباوي" يحاول الإجابة عن تساؤله العريض -موضوع الكتاب- عن علاقة "جمال عبدالناصر" بالأخوان المسلمين، وهل انضم إلى الجماعة وهل حصل على عضويتها، ومدى تفاعله معها.. ويعرض عدة شهادات لبعض الأعضاء الأخوان أو قيادات الضباط الأحرار، وكلها شهادات متضاربة، لاتُثبت ولاتَنفي الموضوع، الذي -لو حدث- لايمثل تهمة لعبدالناصر أو غيره طالما أن الموضوع يمثل رافدا للعمل الوطني، وطالما أنه في إطار المشروعية.. لكنه يذكر عدة مرات قول "عبدالناصر" أن الأخوان طلاب سلطة لا كفاح وطني.
ليس جديدا
موضوع "عبدالناصر" وعلاقته بالأخوان،
في رأيي ليس جديدا، وإن كان المطلوب البحث والتدقيق والتثبت في القضايا التاريخية المطروحة
للبحث دوما.. وربما ما يهمني أكثر هو رأي "عبدالناصر" في الاتحاد
السوفييتي وإلحاد الشيوعية التي كان يحاول تصديرها إلى العالم.. ومع "عبدالناصر"
يذكر المؤلف "خالد محيي الدين" و"عبدالحكيم عامر" وغيرهما من
الضباط الأحرار انخرطوا أو تعاطفوا مع الأخوان بدرجات مختلفة.
ماذا عن "مبارك
لكن السؤال الجديد الذي يطرحه
"الخرباوي" في "هل كان عبدالناصر أخوانيا؟" هو ما ذكره عن
"حسني مبارك" وإذا ما كان أخوانيا، وإن كان الموضوع انتهى سريعا بأنها
علاقة تعاطف لـ "مبارك" بالأخوان في شرخ الشباب انتهت عقب التحاق "مبارك"
بالكلية الحربية.
خدمة مجانية
في هذه النقطة فإن قناعتي بالتعاطف الشعبي الكاسح مع
الأخوان، تزايد بعد ثورة أو انقلاب 2013 -سمه ماشئت- وهو ما أضاف الكثير من التعاطف الشعبي معهم، ورغم فشل
الأخوان السياسي خلال فترة حكمهم التي لم تزد عن العام، فإن المصريين في غالبيتهم
لم يصلهم ما يقنعهم بهذا الفشل، وانضمت أحداث 2013 في أذهان الجماهير إلى سلسلة
المؤامرات المحاكة للأخوان وكل ما هو إسلامي.
ماذا خسر الأخوان؟
ورغم ما نعرفه
عن خبايا وأسرار فترة حكم الأخوان لمصر، فإن صورة الأخوان في المخيال الشعبي براقة
وأنهم تعرضوا -كالعادة- للتجني عليهم، وأن البدايات الكارثية التي بدأوا بها حكمهم
كانت ستقود إلى الازدهار السياسي والاقتصادي.. ولذلك، فإن رؤيتي أنه كان من الحكمة
تمكين الأخوان ليستمر حكمهم فترة كاملة -أربع سنوات دستورية- نعرف بعدها جميعا نتيجة
الحصاد ونحاسبهم عليه.
خذلان طوائف الشعب
وهنا لابد من التذكير
بأن اليسار المصري بكل طوائفه اصطف خلف الأخوان في انتخابات الرئاسة -محمد مرسي- لسببين:
أنها المرة الأولى ليحكمنا رئيس مدني منذ 1952، ووصولهم للحكم عن طريق إنتخابات
شرعية، تمنحهم حق الوصول للحكم، فيما يصب
في نهر تداول السلطة.
تجارب شخصية
في إطار تجربتي الشخصية فإنني قضيت فترة من
حياتي متعاطفا مع الأخوان، وكانت بين سن 18- 22 عاما، ثم بدأت أتوجه عقلانيا
لليسار بتوجهاته المختلفة، وهي مسألة طبيعية ألاحظها في كتيرين من الشباب المصري -المثقف
والباحث دوما عن الحقيقة- أذكر أنه في أواخر السبعينيات حضرت ندوة للشيخ "عمر
التلمساني" مرشد الأخوان، والندوة كانت مقامة في نادي الشبان المسلمين بقنا
جنوب مصر، وأذكر مما قاله "التلمساني" أنه يؤيد توجه مصر نحو أمريكا
والغرب المسيحي باعتباره صاحب ديانة سماوية بدلا من الانصياع للاتحاد السوفييتي،
ولا تعليق لديّ هنا.
الخلاصة أن الطبيعة المتدينة للشعب المصري
تدفعه للتعاطف مع الأخوان، خاصة في سن الشباب، على جميع المستويات، القاعدة
الشعبية العريضة، أو من يعدهم القدر للقيادة حتى يتم اكتشاف الحقائق ويبني كل شخص
قناعاته حسبما يرى.