الأحد، 31 مارس 2024

رواية "فئران بلا جحور".. صراع الجغرافيا والتاريخ

 

غلاف الرواية

عبدالرحيم كمال

تحمل رواية "فئران بلا جحور" للأديب الليبي "أحمد إبراهيم الفقيه" العديد من التحوّلات/ المستويات/ التحليلات/ الألغاز التي يمكن الركون إليها، والاعتماد على أنها قصد المؤلف وهدفه منها.

تقاطع مع التاريخ

مبدئيا لايمكن إغفال فترة إنجاز المؤلف لروايته -الثلاثينية-، إذ إنها استغرقت من المؤلف ثلاثين عاما كي ينتهي من إنجازها.. فهو كما يقول بدأ كتابة "فئران بلا جحور" قبل نكسة 1967 بثلاثة شهور، ليتم وضعها في الأدراج ثلاثين عاما كاملة ليعود إليها ويُخرجها بين دفتي كتاب، في تقاطع مع التاريخ -الزمن الحقيقي- وأحداث الرواية التي تتناول الصراع البيئي في الصحراء الليبية، بما يتوازى مع الصراع الوجودي في المنطقة العربية، سواء على مستوى تحديات المناخ والطبيعة، وصولاً لصراعات الوجود مع العدو الأزلي للعرب -إسرائيل-.

الموت جوعا وتخمة الشبع

تتمحورالرواية حول هجوم الفئران على محصول القمح في "جندوبة"، وهو ما يكتشفه أصحاب المزارع، وكانوا قد استدعوا في وقت سابق على موعد الحصاد فلاحي قرية "مزدة" ليعاونوهم في حصاد المحصول.. وإذا كان أهالي "جندوبة" قد حصلوا على تعويضات كبيرة من السلطات الإيطالية -التي كانت تحتل ليبيبا وقتها-، فإن المأساة تتجسد حيةً في أهالي مزدة الذين لايستطيعون العودة إلى قريتهم "مزدة" بسهولة لطول المسافة ونفاد الزاد.. ولكن يحدث التحوّل الأول في الرواية على يدي الطفل "علي" أثناء حفره في الأرض بحثا عن ثمر حلو الطعم ليأكله، ليفاجأ -ومعه أهل "مزدة" كلهم بسنابل القمح مدفونة كاملة تحت الأرض، وطبعا الفئران -الجرابيع- هي الفاعل، لتتحول المأساة إلى فرح، ويتحول فلاحو "مزدة" إلى الحفر في الأرض ونبش جحور الفئران، لتمحى من أذهانهم فكرة الرحيل من "جندوبة" والعودة لقريتهم يجرّون أذيال الخيبة، وينقلب خوفهم من الموت جوعا إلى حالة من تخمة الشبع.

هجوم الأغيار

التحول الحاد الثاني يتمثل في وفود "أغيار" قادمين من الشرق إلى "جندوبة" هم "آل جبريل"، ورغم أنهم يأتون مسالمين مدعين أنهم قدموا للمنطقة بعدما سمعوا عن توافر الجرابيع بها، وهي الغذاء المفضل لهم، وهو ما يلقى ارتياحا مبدئيا من "المزداويين"، حيث أنهم سيتخلصون من هم الجرابيع التي اتحدت فيما بينها، وعقدت تحالفات مع حشرات وحيوانات المنطقة، التي تتأذى من بني البشر واعتبارهم عدوا تاريخيا لهم.

لكن "المزداويين" يتحفظون مع "آل جبريل"، ويتعاهدون على عدم إفشاء سر السنابل أمامهم، ويتم تغيير استراتيجية العمل في استخراج ودرس السنابل، ليتم ليلاً بدلا من النهار، لكن مع توالي الأحداث يكتشف "آل جبريل" الأمر ليتقاسموا العمل ومحصول القمح مع "المزداويين"..

التحدي الثقافي

تحدٍ آخر أكثر حدة يواجهه "المزداويون"، إذ يفاجأون بانفتاح "آل جبريل"، فسيداتهم سافرات، ولا غضاضة لديهم في الاختلاط بين الجنسين، بل إن كبيرهم سيدة هي "رابحة"، ثم يكتشفون عدم تحرجهم من أداء سيداتهم لرقصة "الحجالة" التي تبدو وكأن نارا قد اشتعلت تحت قدمي الراقصة لتبدأ في اهتزازات عنيفة لجسدها بما لم يعتده "المزداويون".

إذن.. الآتون من الشرق محمّلين بمعرفة كاملة -العلم- عن المنطقة وأهلها وطبيعتها وما فيها، يعتبرهم "المزداويون" أغيارا بالنسبة لهم، رغم أن الرواية تنفي على لسان الشيخ "حامد" كبير "المزداويين" كون "آل جبريل" دخلاء عليهم، معترفا بأنهم -"المزداويين"- ليسوا أصحاب الأرض، وأن الأرض هي أرض الله.

أحمد إبراهيم الفقيه
أمد إبراهيم الفقيه


ثورة الطبيعة هي الحل

بينما يستعد الطرفان -المزداوية وآل جبريل- للرحيل من "جندوبة" يفاجئنا "أحمد إبراهيم الفقيه" بالتحوّل الأخير والأكبر الذي يختتم به  روايته "فئران بلا جحور"،وهو تحول كوني طبيعي دراماتيكي، يتمثل في سيلٍ عرم يجتاح كل ما أمامه، البشر والخيام وسنابل القمح وجحور الفئران، ويُغرق السيل المنطقة وحين يهدأ ويفقد قوته تبقى المياه في منطقة منخفضة، بما يعني انتظاراً لموسم خصبٍ جديدٍ آتٍ، وهو مايعيد الكرة مرة أخرى ليعيد اصحاب الأرض لأرضهم بعد هجرها، وليطرح القارئ السؤال: ماذا سيفعل الطرفان المتنافران -المزداوية وآل جبريل-، هل ينفذان مخطط الرحيل عن المنطقة، أم يتعايشان ويرحبان برسالة الطبيعة ويعيشان موسماً آخر في المنطقة على الأقل، خاصة أن حالتي زواج حدثت بينهما في فترة الصراع المكتوم، فيواصل "المزداوية" البقاء للعمل في موسم الحصاد القادم، و"آل جبريل" انتظارا لعودة طبيعية للفئران.

الدراما التليفزيونية: تسقط المدينة الفاضلة

الموضوع منشورا في موقع "عين على السينما" عبد الرحيم كمال وأخيرا “شهد شاهد من أهلها”، والشاهد هو الرئيس “عبدالفتاح السيسي” شخصيا...