الأربعاء، 24 مارس 2021

التعليم.. "الترقيع" في "ثوب مهترئ"

 
د.طارق شوقي.. وزير التربية والتعليم


عبدالرحيم كمال
التعليم.. وما أدراك ما التعليم.. التعليم يعني أن تكون أو لا تكون.. حي أم ميت.. موجود أو غائب.. إنسان عاقل يفهم ويستطيع التفكير أم مجرد كائن حي مثل باقي المخلوقات من حيوانات وطيور وحشرات ونباتات.. الفرق بينها وبين الإنسان هو العقل.. والعقل لابد له من معلومات يبني عليها أفكاراً ومنظومات عقلية تسهم في تعمير الكون وتقدمه..
لكن دعونا نسأل أنفسنا أولا: هل لدينا في مصر تعليم؟ طبعاً لا.. لا.. لا بالقطع والحسم.

زينة وبريستيج 

سؤال آخر: ما هو المطلوب من التعليم.. شهادات؟ موجودة بكثرة في براويز تزركش الجدران.. درجات علمية؟ شرحه.. وظائف محترمة؟ طبعا غير موجودة إلا بقدرة قادر.. بمساعدة صاحب مركز مرموق لا يقل عن وزير أو عضو بمجلس النواب، أو رشوة بمئات الألوف.. منذ أيام حسني مبارك رفعت الدولة يدها عن تعيين الخريجين الجدد.. والسبب عدم 
استيعاب سوق العمل لملايين الخريجين الذين تلفظهم المدارس والجامعات سنويا، والأمر مستمر حتى الآن مع شكوى الدولة من تضخم الجهاز الإداري.
إذن لا لزوم للتعليم في كل ما سبق.. ممكن أن تستفيد بالتعليم فقط كبريستيج.. واجهة براقة.. تتقدم به للزواج.. أنا الدكتور فلان وباشتغل عامل في قهوة مثلاً.. هذا هو الواقع.



جرائم تعليمية

طبعاً العلم نفسه برئ مما سبق.. وإنما العيب يكمن في العملية التعليمية، فقد ارتكبنا سلسلة جرائم باسم التعليم الذي أفرغناه من مضمونه.. إلى درجة أن خريج الجامعة لا يستطيع كتابة جملة من خمس كلمات دون ارتكاب أخطاء فادحة في الإملاء، ولو قرأ خبراً في جريدة طبعاً سيؤذي أذنيك بنصب الفاعل ورفع المفعول.. وكسر رقبة خبر "إنّ".. ورفع المضاف إليه حتى الطابق السابع
.

ما فائدة التعليم إذن.. الدور الأهم للتعليم ليس حشو الدماغ بالمعلومات.. إنما هو تكوين عقل الإنسان وتدريبه على التفكير العلمي الممنهج.. وتحليل المعلومات المتوافرة لديه، ومن هنا يحدث التطور المنشود في المجتمعات الإنسانية.


أين تقع المشكلة؟

جمال عبدالناصر

لنكن صرحاء: نحن نواجه مشكلة.. بل كارثة مكوناتها مصرية بامتياز -آدي إحنا متفوقين في حاجة- كارثة التعليم بدأت بعد ثورة 1952 مع الأسف -وأنا ناصري، عشان نقفل الباب ده من أوله- الثورة حققت المبدأ الثوري والإنساني الهام والذي نادي به من قبل العظيم "طه حسين" مطالباً بأن يكون التعليم كالماء والهواء، ونادى بمجانية التعليم، وهو ما حققته الثورة، وإلا ما كان لمثلي أن يتعلم.. لكن الثورة انحازت للكمّ على حساب الكيف، أصبح لدينا خريجون بالملايين، دون أن يحصلوا على تعليم جيد، للأسف خريج الجامعة لو كتبنا في شهادته أنه "حمار" حاصل على البكالوريوس أو الليسانس في الجهل لكنا صادقين ولن نتجاوز الحقيقة.

شهادات جامعية لفك الخط

طبعا المشكلة تبدأ من تلقي الطالب قشوراً علمية دون إعطائه المعلومة كاملة، ودون تعليمه منذ الصغر كيفية الحصول على المعلومة ثم كيف يمكنه تقييمها، يقتنع بها أو يرفضها، هي مبادئ النقد الأولية لكل ما في الكون.. إضافة إلى أسلوب الحفظ والتلقين لا الفهم.. زمان كنا نصفُ الأمي بأنه من لا يعرف الألِف من كوز الدرة.. اليوم المتعلم نفسه أمام نفس الإشكالية.. عدم معرفة الألف من كوز الدرة، كل ما تعلمه هو "فك الخط".. وبالتالي أصبحت ثقافتنا العامة شفهية تعتمد على الأذن ممن لديهم شهوة الكلام والقدرة عليه.. أو نكون جميعا وخاصة الشباب في مقتبل العمر خامة أولية تعمل عليها الجماعات الإرهابية، وتغسل عقولهم ببساطة، لأن هذه العقول ليس بها علم حقيقي، ولا يمكن للشاب منهم فرز الأفكار جيدة أم سيئة، حقيقية أم مزيفة
.

د.طه حسين


البحث عن الحل

تلك هي المشكلة.. فهل من حل؟

نعم يوجد حل، لكن قبل ذلك نوضح أن التقدم الحقيقي لأي أُمّة وفي أي مجال يبدأ بالتعليم.. فبدون تعليم جيد لن يكون عندنا طبيب أو مدرس أو مهندس أو سباك أو ميكانيكي، بل ولا زبال جيد -مع كامل احترامي للجميع-
الحل صعب، وصعب جداً ويحتاج: أولاً لتوفير الميزانية المطلوبة كاملة من بداية عملية التطوير دون انتظار الموازنات السنوية أو غيرها المعرّضة للطوارئ ومزاج وزير المالية وطواقم المسئولين.. عملية التطوير تبدأ من دور الحضانة وحتى الانتهاء من الجامعة.. يعني One Package"شروة واحدة"، كيان واحد، كرسي مثلا تشتريه بأرجله الأربع ولا يمكن أن نختصر منها واحدة لزوم نقص الميزانية أو التوفير، الخبراء توصلوا إلى أن إصلاح التعليم في مصر يستغرق حوالي ثلاثين سنة متواصلة، دفعة واحدة، لا يعطلها شيء، لأن أي تعطيل يعنى موت المشروع.. ولكي يتحقق ذلك لابد من توافر الإرادة السياسية، والإرادة المجتمعية -والأخيرة موجودة ومتوافرة بحمد الله-

جرأة السيسي.. خوف 
مبارك وتجربة السادات

أثبتت التجربة عمق وعي الشعب بأهمية الإصلاح الاقتصادي عندما وقف خلف السيسي وخاض معه التجربة، وبالفعل، ودون أي شوفينية، أثبت المصريون أنهم شعب جبّار وعظيم، وتاريخ السبعة آلاف عام ليس مصادفة ولا مجرد كلام، هنا العامل الأهم هو إرادة الشعب.. وهذا يقودنا إلى شارع فرعي: لماذا قام المصريون بثورة على الرئيس السادات عندما زاد سعر رغيف الخبز خمسة مليمات، وقضى مبارك 30 سنة رافضاً زيادة أسعار أي سلعة استراتيجية خوفاً من ثورة الشعب، وعينه طبعا على ما حدث للسادات، بينما نجد أن السيسي في اختياره للحل الصعب بالإصلاح الاقتصادي رفع أسعاركل السلع الاستراتيجية عشرات الأضعاف، الكهرباء والغاز والماء، ثم المواصلات التابعة للدولة وأولها المترو، وتبعها بالتالي المواصلات والسلع الغذائية والخدمات.. صحيح أن الشعب يحس بالانسحاق تحت وطأة ارتفاع الأسعار، لكنه أثبت أنه يعي أهمية الإصلاح الاقتصادي
..

وعي الشعب

ما يهمنا هنا هو الدليل على وجود إرادة مجتمعية للإصلاح في كل المجالات، والتعليم أكثر ما يشغل أذهان أولياء الأمور في مصر.. مما يرفع فاتورة الدروس الخصوصية إلى أرقام فلكية تقترب من موازنة الدولة.. والسبب قصور المدرسة في العملية التعليمية وقبلها التربوية، لنحصل على مجتمع مشوه كامل الفساد.
يبقى العنصر الأخير، وهو العنصر الأول من ناحية الأهمية لأنه الفاعل الحقيقي والمنفِّذ، وهو الإرادة السياسية، لنعيد طرح التساؤل مرة أخرى: هل لدينا إرادة سياسية لتطوير التعليم.. أجيبك والأرزاق على الله: لا.. لا.. لا، وارجع إلى منتصف المقال حيث ذكرنا أن العملية تستغرق 30 سنة.. لنستطيع تقييم التجربة ومواطن النجاح والقصور فيها.

30 سنة؟؟!!

نعم.. مطلوب 30 سنة.. الشعب موجود طبعا إن شاء الله، يعني الإرادة المجتمعية مضمونة وفي جيب الساعة الصغير.. وتظل الكُرة بين قدمي الإرادة السياسية.. فهل هي جادة في الأمر؟ طبعا لا.. لماذا إذن؟
أقول لك.. في النهاية كلنا بشر، وطبيعي أن يحب أي واحد منا أن يرى نتاج عمله في أسرع وقت ممكن ليبرهن للجميع على صدق توجهاته ورغبته في العمل والإنجاز.. لكن، هل يمكن أن يبدأ شخص مشروعاً ينتهي في عهد غيره.. نحن الآن في عهد السيسي.. وهو يعلم جيدا أبعاد المشكلة وطريقة حلها، ولكنه لا يتناولها بالشكل الذي يراه الخبراء لأنه مهتم بالإنشاءات السريعة، القياسية، وهي إنجازات عظيمة في حد ذاتها، وهو عمل بالفعل حاجات هايلة في زمن قياسي.. أكرر "زمن قياسي" يعني سريعة التنفيذ قياساً بمشروع التعليم المكلّف زمنياً.. إذن سيظل الوضع على ما هو عليه حتى يأتي رئيس يلتف الناس حوله ويجعل تطوير التعليم شاغله الأهم والمعركة التي لا يعلو عليها صوت.. ويوجه لها كل دخل الدولة.. لكن الأهم من الرئيس أن يكون لدينا مجالس وهيئات قوية تضع خططاً مستقبلية للدولة تستشرف الرؤى لمئات السنوات تحدد المطلوب إنجازه في كل عام أو فترة منها.. ودول العالم المتقدمة تعمل بنفس النظام، حتى على مستوى الأفراد..

نعم.. أنا زعلان

أقول لكم أن أحد أسباب "زعلي" من "السيسي" أنه يفهم ذلك جيداً وكان مطروحاً عليه منذ توليه الحكم، وكنت اعتقد -أو أتمنى- أن ينحاز للبداية بالتعليم على حساب أي شئ آخر.. كان يمكن تحقيق قفزة تاريخية ونقل مصر إلى واقع جديد.. لكنها النفس البشرية.. ونبقى في انتظار "جودو".. فهل يأتي؟

تجربة ماليزيا

د.فاروق الباز


أذكر أن العالِم الكبير الدكتور "فاروق الباز" ذكر لمجموعة من الشخصيات -كنت أحدهم وكنا جميعاً في قطر- أنه كان يزور ماليزيا بدعوة من الملك قبل 30 سنة من لقائي بالباز- وأقسم الباز أنه في ذهابه للقصر الملكي للمرة الأولى وبصحبته مجموعة من العلماء، كانوا "يخوضون" في بحور من الطين ولم يكن هناك شارع واحد مرصوف ولا حتى عند القصر الملكي.. والسبب أن ماليزيا وجهت موازنة المملكة كاملة لتطوير التعليم.. بعد ذلك أصبحت ماليزيا من النمور الأسيوية بالشكل الذي نراه الآن
.

نسف الفكر القديم

سؤال آخر: وماذا عن التطويرات التي يقوم بها "د.طارق شوقي" وزير التربية والتعليم.. أجيبك.. لا شئ.. صفر على الشمال، ما يحدث في التعليم المصري، ومنذ ما قبل كورونا، ترقيع لثوب مهلهل متهالك يكشف أكثر مما يستر.. لن يجدي شيئاً.. الخلاصة.. في الزبالة وارمي.. الحل الوحيد هو تفجير العملية التعليمية بالكامل والبدء مما قبل الصفر.. من حوالي 40 سنة أو أكثر كانت شركة أدوات صحية تخاطب المستهلك بإعلان يقول: فجّر حمامك القديم.. ونحن الآن في حاجة لتفجير فكر قديم.. وليس بعيداً ما فعلناه في عمارة فيصل التي اشتعلت فيها النيران وكان الحل الوحيد والعملي والآمن هو نسفها، وتمت العملية بنجاح مبهر.. وهذا هو الأسلوب الذي ننادي به في كل شئ.. في الطب والصناعة والتجارة والتعليم والرياضة... إلخ.. فلنرفع إذن شعار "فجّر حمّامك القديم".
 


الدراما التليفزيونية: تسقط المدينة الفاضلة

الموضوع منشورا في موقع "عين على السينما" عبد الرحيم كمال وأخيرا “شهد شاهد من أهلها”، والشاهد هو الرئيس “عبدالفتاح السيسي” شخصيا...