![]() |
عصام السيد درية شرف الدين |
عبدالرحيم كمال
شاهدت منذ فترة إحدى حلقات برنامج "حديث العرب" على القناة الفضائية المصرية الأولى، وتقدمه "درية شرف الدين".. ضيف الحلقة كان المخرج المسرحي "عصام السيد" الذي بات علما في إخراج المسرحيات الغنائية تحديدا.
بقدر سعادتي باختيار "عصام السيد" ضيفا، كان ألمي.. فالحوار الذي اعدته "د. درية شرف الدين" وهي من أفضل من أنجبهم التليفزيون المصري، ومن أفضل من يتناول موضوعا ثقافيا، ولا ننسى ارتباط اسمها لدينا بواحد من أفضل البرامج الكلاسيكية التي تجمع بين الثقافة والترفيه وهو برنامج "نادي السينما" وكان التليفزيون يقدمه أسبوعيا.. وبالمناسبة، فقد بُح صوتنا لإعادة البرنامج في ثوب جديد، مع برامج ثقافية/ جماهيرية هامة مثل "فن الباليه" وكانت تقدمه "ناهد جبر"، و"الموسيقى العربية" الذي كانت تقدمه "د. رتيبة الحفني"، و"صوت الموسيقى" وكانت تقدمه "د. سمحة الخولي"، و"العالم يغني" الذي كانت تقدمه "حمدية حمدي"، وهناك برنامج "العالم العربي يغني" الذي ظهر في آخر فترة الاهتمام بالصبغة الثقافية في تليفزيوننا العزيز.. وأيضا -ومن باب الأمانة- شاهدت بعض حلقات لبرنامج عن الموسيقى العربية قدمها المطرب "أحمد إبراهيم" ولا أعرف إذا كانت هذه القناة ما تزال مستمرة في بث البرنامج أم لا.
مصدر الألم
مصدر الألم عندي جاء من شقين.. الأول أن الحلقة بكاملها تم عرضها بدون تضمين ولو مشهد واحد من المسرحيات التي تطرق إليها الحديث، خاصة مسرحيته الأخيرة "موش روميو وجولييت" التي قدمها للمسرح القومي بمشاركة "رانيا فريد شوقي" و"علي الحجار"، وقد ركز البرنامج على هذه المسرحية منطلقا منها وعادا إليها في الحوار.. وللأمانة فقد تم عرض لقطتين -بالموبايل- لفريق العمل أثناء البروفات.
![]() |
د. سمحة الخولي د. رتيبة الحفني |
هدم ذاكرة وطن
السؤال الذي يفرض نفسه هو: أليس التليفزيون تليفزيون الدولة، والمسرح والفرقة يتبعان الدولة، فلماذا التقصير في تصوير هذه الأعمال، ثم إن التليفزيون كوسيلة إعلامية من المفروض أن يغذي مكتبته والأرشيف بكل حدث جديد في كل المجالات، وإلا يكون قد ارتكب جريمة تتعدى مبنى التليفزيون وشاشاته لترفع معول هدم ذاكرة مصر وتشويه وجدان المواطن المصري.. ثم ألا يعلم التليفزيون أسماء المسرحيات التي "سـ" يتناولها الضيف في حديثه المطول قبل أن يتم، وهو ما يؤكد مجددا خلو مكتبة التليفزيون من أشرطة لهذه الأعمال، ليؤكد مرة أخرى مشكلة إهمال تاريخ مصر وعدم الاهتمام بجمعه وتوثيقه، ناهينا عن التفريط فيما ورثناه من السابقين وقد بيع كثير من الأصول حتى وصلت إلى إسرائيل.
سوابق كروية
الأمر نفسه نراه منذ سنوات وننظر له ببراءة في البرامج الرياضية، خاصة التي تتناول كرة القدم -وهي أكثر المواد جماهيرية- فلا يتم بث اللقطات التي يتناولها الحوار، والسبب أن التليفزيون ليس لديه شرائط هذه المباريات، وليس من حقه عرض لقطات فيديو لها لأنه لم يشتر حق عرضها.. وطبيعي أن يحتفظ المنتج صاحب التصوير بحقه -سواء كان قناة تليفزيونية أو شركة- ولكننا نسأل مسئولي كل الشاشات المصرية -والتليفزيون الحكومي على رأسها- ألا يعني بث اللقطات التوثيقية جذب المشاهدين ثم حرصهم على متابعة قناة دون غيرها، مما يعني زيادة نسبة الإعلانات بها؟.. إذن لماذا الإهمال في حق المشاهد، الذي ينعكس إهماله في الانصراف عن التليفزيون الوطني لمتابعة تليفزيونات غير مصرية.
![]() |
د. محمد معيط د. صلاح جودة |
الفن بالمزاد
مصيبة أخرى لكنها أشد وطأة أشار إليها المخرج المسرحي "عصام السيد" في حواره مع "د. درية شرف الدين" في برنامج "حديث العرب" بالقناة الفضائية الأولى لتليفزيون مصر، فماذا قال "السيد"؟
قال "عصام السيد" إن وزارة المالية وضعت تقنينا لتصوير العمل المسرحي، وهو أن يتم طرحه والإعلان عنه في منتقصة بالمزاد!!!!؟؟؟؟، نعم بالمزاد، وبالتالي ليس من حق أحد التساؤل عن مستوى هذا التصوير وهل يصلح للعرض التليفزيوني أم لا، ومدى العمر الافتراضي لهذه النسخ.. الأمر نفسه يشمل بقية فروع العمل الفني، فيتم إعلان مزاد للمخرجين، وآخر للمؤلفين وثالث للممثلين.. وهكذا إلى نهاية الطابور.. وإذا كان العمل عبر آلية المزاد، فالطبيعي أن يكون الحكم بالكيلو.
تجربة قديمة
هذه النقطة تعيدنا إلى ما قاله الاقتصادي الراحل "د. صلاح جودة" منذ سنوات طويلة في حديث عن آلية العمل في الكتاب المدرسي -موجود باليوتيوب- حين كشف أن تأليف الكتب المدرسية يتم بالمزاد، وطبعا الأقل سعرا يرسو عليه المزاد لتأليف هذا الكتاب أم ذاك.. وليس غريبا ولا جديدا رداءة مستوى الكتاب المدرسي محتوى وإخراجا، خاصة بمقارنته بالكتاب الخارجي.. وإذا كان بعض الظن إثما، فأعتقد أن الربط بين الجزئيتين ليس إثما، بل ليس ظنا، فطبيعي أن ناشري الكتب الخارجية يهمهم سوء مستوى منافسهم وهو الكتاب المدرسي.. والمعلومات تشير إلى هزيمة الكتاب الإلكتروني المدرسي أمام الكتاب الورقي، بما يعني أن الكتاب الخارجي للمناهج الدراسية سيظل على عرشه -ويا جبل ما يهزك ريح-
![]() |
مسرحية "مش روميو وجولييت" |
وعي ثقافي
ما نخلص إليه -وبدون سوء نية- أن كثيرا من المسئولين ليسوا مؤهلين ثقافيا وليس لديهم وعي ثقافي يؤهلهم لتولي مناصبهم العليا.. وهنا نتساءل: إذا ما صدر قرار عجيب غريب مدهش من وزارة كبرى كوزارة المالية، وعلى رأسها "د. محمد معيط" الذي أصدر القرار، ألا يوجد من ينبهه إلى خطأ هذا القرار أو ذاك و ما يثيره، سواء من مستشاريه في الوزارة، أو من مجلس الوزراء أو من الرئاسة.. صحيح أننا نكتب.. لكننا نعلم أن "ودن من طين.. وودن من عجين"، لكننا على أمل أن تكون الثقافة ليست "الحيطة الواطية" في هذا العصر.
![]() |
مسرحية "مش روميو وجولييت" |