عبدالرحيم كمال
رغم حزني الدفين على ما وصلت إليه الصحافة المصرية من تدهور بشع، لكنني أرى
ضوءا في آخر النفق البعيد، ضوء أمل في العودة لاعتناق مبادئ المهنة ودستورها ورفع
رايتها، والعودة لممارسة مهمتها الأزلية والخالدة في رفع مشعل التنوير عاليا لينير
لشعب عريق طريقه في الحياة والمستقبل.
هل من المهم والمفيد تشريح جسد صحافة الوقت الراهن؟.. ربما يكون كذلك، على
الأقل من وجهة نظري الشخصية.
الصحافة.. ماتت أم لمت
نكاد نتفق -أقصد أهل المهنة- على أن الصحافة ماتت وانتقلت إلى رحمة الله،
فقد اختلط الحابل بالنابل، واتسعت الرقعة/ المصطلح/ المهنة، لتضم أطيافا من غرباء
دخلاء، أولاً بانتشار الإنترنت والمواقع الصحفية والشخصية، وبات بمقدور أي شخص نشر
ما يشاء من مواد يعتقد أنها صحفية، وأحياناً يراها سبقاً صحفياً، وفي الغالب لا
تثير سوى البلبلة، وتكون خاطئة لا تستند إلى مصدر، وكثيرا ما تكون مغرضة، وبات
كثيرون يعتقدون أنهم صحفيون -بدليل ما ينشرون-، ويستطيع أي شخص يملك موبايل نشر ما
يروق له.. وقد انتشر في العقود الماضية مصطلح "صحافة المواطن"، وهو
مصطلح وفكرة لاغبار عليهما لو أحسنّا استغلال فضاء الإنترنت، ببعض من الالتزام
-والإلزام- للطرفين، الوسيلة الصحفية ورقية أو إلكترونية، والمواطن كاتب الخبر
بتوضيح الحدود والمعايير -ومنها العقوبات.
البحث عن التريند
الكارثة الحقيقية التي أراها حيةً تسعى هي "توالد" المواقع
الصحفية التي تعتمد مصطلح "التريند" على حساب مضمون الخبر وحقيقته، وهي
مواقع لا تجد حرجاً في النقل من بعضها، دون تأكد الناقل أو المنقول منه من صحة
الخبر، وأصبحت كلها -تقريبا- تنشر عناوين ضخمة مضللة لا علاقة لها بالخبر، ومعظمها
يمارس تلوين الخبر ولي عنقه.
العربة والحصان
الكارثة الأكبر أن مواقع إليكترونية لصحف كبرى -ومنها صحف قومية- بدأت تغار
من هذه المواقع، ومن ثم تقليدها، رغبة في ركوب موجة التريند.. ومما يتم تقليدها
فيه أساسيات الكتابة الصحفية، خاصة الخبر الذي تم نحره على عتبة هذه المواقع..
فالخبر الصحفي في المواقع الصحفية المذكورة أصبح يتعدى المائة كلمة، وأحيانا
مائتين، ولكي يضمن المحرر استمرار القارئ في قراءة الخبر، بات يبدأ خبره بمقدمة
طللية تاريخية، ويضع فحوى الخبر في نهايته، بما لا يتعدى السطرين أو الكلمات
العشر، بدلا من العكس، فبدلا من قيادة الصحف والمؤسسات الكبرى للقاطرة الصحفية، أصبح
العكس هو ما يجري في وضح النهار، وكأنه تم وضع العربة أمام الحصان.
ضوء في آخر النفق
هذا غيض من فيض مما يثير الحزن على الواقع الصحفي المصري، فماذا عن الضوء
الذي تتراقص شعلته في نفق بعيد بعيد..
في السنوات القليلة الماضية، بدأت تتزايد جروبات -وأحياناً صفحات- تضم
صحفيين من أعضاء النقابة، ورغم أن كثيرا منها بدأت كجروبات خدمية لأعضاء الأسرة
الصحفية، لكنها بدأت تتزايد لتقدم خدمات تثري الصحفي العضو وتثري معه العمل الصحفي
نفسه، بعضها ينشر كتبا مختارة، وبعضها يتداول معلومات عن المصادر الهامة، والبعض
يُعنى بنشر أحدث الأخبار ونسخ إلكترونية للصحف المصرية والعربية في صيغة PDF، وهنا معاذ الله أن نعتبر نقابة الصحفيين
كيانا عنصريا، فهو يقاتل من أجل الإبقاء على المهنة ورفعتها لتسليمها للأجيال
القادمة وقد ارتقت درجات ولم تتأثر بعوامل الوهن الزمني.
هذه المجهودات من الأسرة الصحفية تؤكد على شئ واحد، هو أن الجسد الصحفي لم يمت، وما تزال الروح تسري فيه، ويعتريه بعض حراك يدل على الحياة، هذا غير أنشطة جيدة يقوم بها بعض أعضاء مجلس النقابة.