عبدالرحيم كمال
طبعا من حقنا كمسلمين، وكدول شرق متوسطية أن
نسعد بتجاوز الخلافات التاريخية بين إيران والسعودية، ونتمنى زوال أي خلافات بين دول
المنطقة.. لكن يبقى في النهاية أن السياسة تقف وراء الأمر -في البدء والمنتهى- فعند
الخلاف الذي بدأ منذ مايزيد عن الألف عام، تم استثمار الخلاف المذهبي، ورغم الدعوة
للتقارب الفكري بين الشيعة والسنة في العقود الماضية، وقيام مؤسسات للدعوة في
إيران وبعض الدول العربية -وعلى رأسها مصر- لهذه الدعوة، ونشر العديد من الدراسات
الجادة لتكريس التقارب ونبذ الخلاف، لكن كانت الغلبة لشياطين الخلاف، لأن مكاسبهم تكمن
في الخلاف لا التقارب.
المغزى والتوقيت
أكرر أن عودة السعودية لإيران وعودة إيران
للسعودية دعوة لغرس بذور البهجة في نفوس كل المسلمين، لكن التساؤل يطرح نفسه عن
مغزي الحدث وتوقيته.. فلايخفى على أحد ما باتت تمثله إيران من خطر على السعودية،
ثم الإمارات، يليهما بقية دول الخليج، وآخرها وأهمها دعم الحوثيين في اليمن الذين
تصل مسيّراتهم وصواريخهم للعمق السعودي، مدناً ومنشآت حيوية فشلت السعودية في
التصدي لكثير منها، فأن ترمي السعودية نفسها فجأة وبدون مقدمات في الحضن الإيراني مع
ترحيب إيران الطبيعي والمنطقي يؤكد اليأس السعودي من النصر على الحوثيين، أو إنهاء
الحرب بشكل يحفظ ماء الوجه السعودي، والتفرغ للمصالح التنموية الداخلية
والاقتصادية، وهي رؤى عملية براجماتية لاتعيب، وليس بعيداً التحالفات الدولية الجديدة، لكنه ليس السبب الأول.
تراجع الإمارات
في الموضوع نفسه، وبنفس المنهج تراجعت
الإمارات عن دعم السعودية في هذه الحرب العبثية، وإنقاذ نفسها من "العين
الحمرا" الإيرانية، خاصة أن الإمارات لا تتحمل إلقاء "طوبة"، وإن
حدث ذلك، فإنها ستعود للعصور الوسطى، لأنها ستفقد السياحة والازدهار التجاري، خاصة
إمارة دبي التي تحولت لمركز تجاري عالمي، ومنذ أسابيع قليلة صرح أحد قيادات الحوثيين
تعليقاً على ما يمكن أن تمثله الإمارات من "إزعاج" لهم قائلاً إن الحل
بسيط، ويكمن في إلقاء صاروخين على الإمارات أحدهما في دبي والآخر في أبوظبي،
لينتهي إلى الأبد اسم الإمارات، وهو دون شك السبب في تخاذل الإمارات عن مطالبتها بإعادة
جزرها الثلاث التي تحتلها إيران منذ ماقبل إعلان دولة الإمارات، والجزر هي -أبوموسى
وطنب الكبرى وطنب الصغرى.
ماذا عن مصر؟
أما عن مصر، فإنهناك وعياً على المستوى السياسي
والفكري بأهمية إيران، وقامت عدة مبادرات بالسعي للصلح مع إيران منذ عهد حسني
مبارك، لكن كان التباعد هو المنتصر، بفعل الشياطين إياهم أولاً ثم ثيوقراطية الدولة
الإيرانية وتاريخها المتطرف ضد الدولة المصرية سياسياً وعسكرياً في العقود الماضية
خاصة بعد إبرام اتفاقية كامب ديفيد ..عموما فإن عوامل التواصل بين مصر وإيران أكثر
منها بين إيران والسعودية.
ويبقى السؤال عن إمكانية عودة العلاقات بين القاهرة وطهران، وهو ما أشار إليه سياسيون وباحثون طوال العقود القليلة الماضية.. أما بعد قفز السعودية على أسباب الخلاف مع إيران، فسيصبح الأمر سهل التحقق، فمصر تسير على خطى السعودية، والملف الإيراني يخلو من منغصات كبرى بالنسبة لمصر.