الثلاثاء، 28 ديسمبر 2021

سياحة في تاريخ "قنا" الفاطمي

غلاف الكتاب

عبدالرحيم كمال

ممتعٌ هو الغوص في التاريخ، خاصة عندما يكون تاريخ وطن، ناسه وتضاريسه وما عاشوه من أحداث أدت إلى وصول الوطن إلينا -أو وصولنا إليه- بالشكل الحالي للإنسان والمكان، ومن قبل ومن بعد السيرة التي تراكمت فصولاً عبر التاريخ.

الكتاب الأخير الذي زاد من لواعج الشوق يحمل عنوان "تاريخ قنا في العصر الفاطمي"، تأليف الدكتورة "نورا عبدالعظيم".. و"قنا" هي إحدى محافطات جنوب الصعيد، يليها آخر محافطتين جنوبي مصر وهما "الأقصر" و"أسوان"، وقد كانت الأقصر حتى الماضي القريب إحدى مدن "قنا"، لكنها استقلت إدارياً منذ حوالي عقدين من وقتنا الحالي..

مراجعة التاريخ لها أهميتها ومتعتها، لكن إزاء كتاب عن "قنا"، تتضاعف الأهمية عندي، وتتزايد المتعة، ويتصل العلم بالوجدان، وكيف لا و"قنا" هي مسقط رأسي ومرتع صباي وشبابي، ربما يكون مسقط الرأس هو مسقط الروح.. ربما.. هكذا أحس.

يقدم الكتاب دراسةً وافيةً لإقليم "قنا" أثناء الحكم الفاطمي لمصر (358-567هـ/ 968- 1171م)، ولا يقف الكتاب عند التاريخ السياسي فقط، ولا يقف عند التاريخ السياسي، وإنما يتعداه إلى التاريخ الثقافي والاجتماعي والإداري لـ "قنا" خلال فترة البحث.. ليخرج القارئ بنظرة بانورامية عن موضوع الكتاب.

موقع قنا


تبدأ المؤلفة كتابها بالسؤال المنطقي: ما معنى اسم "قنا" ومن أين جاء، لتذكر لنا أن الإجابة حيرت الباحثين عبر التاريخ، "فقد اختلف المؤرخون في اشتقاق اسم "قنا"، فذكر "جويتيه" أن اسمها المصري القديم كان "شابت  SHABT " ويرجح البعض أن الاسم يعني الحاضنة، أي حاضنة النيل، ومما أفهمه هنا وما لم تذكره المؤلفة، أن الفكرة تعود للجغرافيا، فبينما يسير النيل طوال مجراه بشكل قريب من المستقيم، فإنه ينحني انحناءته العظمى عند "قنا" ليبدو أنها تحتضن النيل، أو أن النيل يحتضنها.. وتذكر المؤلفة أن "قنا" عُرفت باسم "قينابوليس Kaini polis " في العصر الروماني، و"قوني" في العصر القبطي، وتقول إن البعض ذكرها باسم "إقْنا"، ثم ذُكرت في عصور تالية باسمها الحالي "قنا".

يلقي الكتاب الضوء على أحداث سياسية هامة عاشها الإقليم منذ القدم، وخاصة في العصر الفاطمي الذي شهد فيه الإقليم عددا من الثورات تركز الباحثة حول أربع منها: ثورة دحية بن مصعب الأموي 165هـ/ 791م، وغارات البُجّة 231- 241 هـ/942- 952 م، وثورة ابن الصوفي العلوي 253 هـ/867 م، ثم حركة عبدالله العمري 259 هـ/872 م لصد هجمات البجة ضد المسالمين من الأهالي.. وتورد المؤلفة كيف ساهمت جغرافيا الإقليم في جعله حصناً مناسباً للثوار على الحكام بالعاصمة، وكيف بدأ التشيع في قنا إبان العصر الفاطمي، وكيف تحولت فقط إلى مركز للعلويين/ أنصار علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).

مسجد سيدي عبدالرحيم القناوي


اقتصاديا وإداريا تستعرض المؤلفة أبرز مدن الإقليم وأهمها كما تقول "قوص" التي كانت مركزا اقتصاديا هاما، وكانت طريقا آمنا إلى الحجاز، وكانت البضائع التي تنقلها السفن إلى ميناء عيذاب على شاطئ البحر الأحمر يتم نقلها على ظهور الإبل إلى "قوص" فتحولت بذلك إلى مركز تجاري كبير بالديار المصرية، ومن "قوص" كانت البضائع تُنْقَل عبر النيل إلى بقية المدن شمالي مصر.

الكتاب يمثل سياحةً تاريخيةً وثقافيةً موثقةً في تاريخ "قنا" السياسي والنضالي والثقافي والاجتماعي، وأعتقد أنه شديد الاختزال والتركيز مما يجعل إعادة اختزاله وتلخيصه مهمة غير محفوفة بمخاطر الخلل.

الكتاب له أهمية كبرى ولاشك، وهو -على حد علمي- أطروحة علمية بجامعة جنوب الوادي، وبهذا فالكتاب وأمثاله، يجيب عن تساؤلنا الدائم عن غياب دور الجامعات المصرية وعدم تفاعلها مع الأقاليم والمحافظات الموجودة بها، ليأتي الكتاب دليلا على حضور الجامعة ودورها التثقيفي الذي يتخطى أسوار الجامعة ليروي أراضي عطشى للثقافة..


لكن ما أزعجني في الكتاب هو سوء طباعة ملحق الصور والخرائط في آخر الكتاب، فقد ظهرت -خاصة الخرائط- بلون واحد هو الرمادي الغامق جداً الأقرب للسواد، وافتقاد أي تباين في الخطوط والكتابات الموضحة.. وهنا فاللوم يقع على الهيئة العامة للكتاب التي أصدرت الكتاب بشكل إجمالي جيد، لكن سوء طباعة ملحق الخرائط أساء للكتاب والهيئة، طبعا أنا لا أطالب الهيئة بطباعة هذه الملاحق ملونة، فهي مسألة مكلّفة، لكن كان يمكن لفنيي الطباعة بالهيئة مطالبة المؤلفة بإعداد الخرائط والصور بشكل يساعد على طباعةٍ واضحةٍ.. الكتاب قد يكون الأول للمؤلفة، وطبيعي أن تكون عديمة المعرفة بأسرار الطباعة، لكن الهيئة وجيوش الفنيين بها لديهم خبرات طويلة في هذا المجال.

الدراما التليفزيونية: تسقط المدينة الفاضلة

الموضوع منشورا في موقع "عين على السينما" عبد الرحيم كمال وأخيرا “شهد شاهد من أهلها”، والشاهد هو الرئيس “عبدالفتاح السيسي” شخصيا...