الشيخ الشعراوي |
عبدالرحيم
كمال
شغلني كثيراً في الآية 44 من سورة الأنبياء
قوله تعالى "أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ
أَطْرَافِهَا"، وذهب ذهني إلى علوم الطبيعة والفلك، ولم أتذكر أن أحدا من
مفسري القرآن تطرق إليها بشكل يشفي الغليل العلمي، وبمراجعة عدد من التفاسير، صح
ما توقعت، وهي مسألة طبيعية نظرا للقصور العلمي في أزمان الأئمة المفسرين، وبنفس
التوقع والنظرة، وجدت أن الشيخ الشعراوي رحمه الله تناول الآية في تفسيره، وهي
مسألة طبيعية، فالشعراوي اطلع على كثير من المعطيات العلمية الحديثة بحكم الفترة
الزمنية التي عاشها.. يقول الشعراوي:
[ثم يقول سبحانه: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا
نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا.. (44)} (الأنبياء)، وفي
موضع آخر: {أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه
وهو سريع الحساب (41)} (الرعد).
بيضاوية الأرض
وهذه آية من الآيات التي وقف عندها بعض علمائنا
من المعنيين بعلوم القرآن، فلما أعلن العلماء أن الأرض بيضاوية الشكل، وليست كاملة
الاستدارة، يعني:
أقطارها مختلفة بالنسبة لمركزها، سارع بعضهم من منطلق الغيرة على
دين الله ومحاولة إثبات صدق القرآن، وأنه سبق إلى ذكر هذه المسألة، فقالوا: لقد
ذكر القرآن هذا الاكتشاف في قوله تعالى: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي
الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا.. (44)} (الأنبياء): يعني: من ناحية خط
الاستواء، لا من ناحية القطبين.
نقص الأطراف
وغفل هؤلاء أن الآية تقول: {ننقصها من أطرافها.. (44)} (الأنبياء):
لا من طرفها، فالنقص من جميع الأطراف، فمثل هذه الأقوال تفتح الباب للطعن في
القرآن والخوض فيه.
ونتساءل {أفلا يرون.. (44)} (الأنبياء): رأى هنا علمية أم بصرية؟
لو قلنا: إنها بصرية فهذه ظاهرة لم تعرف إلا في القرن العشرين، ولم ينتبه لها أحد
قبل ذلك، إذن: فهي ليست بصرية. وأيضا ليست علمية، فلم تصل هذه المعلومة إلى
هؤلاء، ولم يكن العرب حينذاك أمة علم، ولا أمة ثقافة، ولا شيء من ذلك أبدا.
فإذا ما استبعدنا هذا التفسير، فما المعنى المناسب؟
نقول: إن كانت رأى بصرية، فقد رأوا هذه الظاهرة في الأمم السابقة،
وقد كانوا يصادمون دين الله ويحاربونه؛ لأنه جاء ليقضي على سلطتهم الزمنية، ويجعل
الناس سواء، ومع ذلك كان الدين ينتشر كل يوم وتزيد رقعته وتقل رقعة الكفر.
فالمعنى: ننقص أرض الكفر إما من الناس، أو من العمائر التي تهدم وتخرب بالزلازل والخسف وغيره، فننقص الأرض، وننقص الناس، وننقص مظاهر العمران في جانب الكفر، وهذا النقص هو نفسه الزيادة في أرض الإيمان ، وهذه الظاهرة حدثت في جميع الرسالات.
كوكب الأرض |
اختلاف التفاسير
فإن قال قائل: كيف نقبل هذا التفسير، وزيادة أرض الإيمان لم تحدث
إلا بعد الهجرة، والآية مكية؟ نقول: كون الآية مكية لا يقدح في المعنى هنا، فليس
من الضروري أن يروا ذلك في أنفسهم، ويكفي أن يروها في الأمم السابقة، كما جاء في
قوله تعالى: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين (137)} (الصافات)]
الموضوع يعيد إلى الصدارة فكرة تفسير العلم بالقرآن، أو تفسير
القرآن بالعلم وهي مسألة جدلية مستمرة، مع الاتفاق بين جميع الأطراف على أن القرآن
ثابت والعلم متغير.. وأعتقد أن الآية تشير إلى مكتشفات علمية لم تتم بعد، والله
أعلم.