عبدالرحيم كمال
ربي.. أناجيك.. بعد عجزي عن فكِّ طلاسم من خلقتَ مِنْ بشرٍ..
تُرى.. أحقاً خلقتنا سواسيةً؟ فلماذا إذن يتجبرون؟ أخلقتني من طينٍ وخلقتهم من
حجر؟ أخلقتني شاعراً/ شويعراً/ متشاعراً، وخلقتهم جبناء؟ أأودعت فيَّ بعضاً من إحساسٍ
وكسوتَهم بجلد سميك، أهو ابتلاء منك لي في بحرٍ يموج بالبغضاء؟ سماؤك لا تمطر سوى
الحب، فلماذا قلوبهم صحراء صخرية مجدبة؟.. لماذا لا يعذّبُني سوى من أحببتُ..
أليستْ رسالاتُك رسالاتِ محبةٍ.. ألم يؤمنوا بها، أم استثنوا منها محبتك، هل
غَفَلوا عنها أو أغفلوها، إيمانا منهم أنها لغةٌ بائدةٌ؟ أليس حبُّ البشرِ درجةً
أولى لحبك، وخطوةً أساسيةً للتقرُّبِ إليك؟ لماذا يطول العمرُ عذاباً.. لماذا لا
يشعرون بشلالاتِ دماءِ القلوبِ النازفةِ صمتاً والمتوارية انطواء واحتضاناً لحزنها
واحتراما لدمائها.. لماذا تطول رحلةُ حياةِ من يتألمون صدقاً طوباوياً، طالما أن
المسيرَ -وإن طال- لا يكون سوى إليك.. لماذا جعلتنا نحب حياةً خلقتَها بأبجدية
الحب سبحانك، ألم يستطيعوا تهجِّي حروفها، أم انقلبوا طواعيةً على صفحاتها وسط
رسالاتك، أم تنكَّروا لها.. لماذا يزرعون الشوك في قلوبنا.. لماذا خلقتنا جماعاتٍ
ولم تخلقْنا لنعيش فُرادى، كيانات مستقلة، جزراً منعزلة.. حتى السباع والضواري
تتآلف فيما بينها، فلماذا يحترب البشر، رسالتهم سطورها النبذ والكراهية، والشك..
ربي.. من الوريدِ إلى الوريدِ يذبحني حبُّ من أحببتُ من خلقك،
لا يدرون بآلام غيرهم ولا يستشعرونها، أؤمن أنك ما خلقتَ كُرْهاً- سبحانك- فمن أين
واتتهم تلك القوة الغاشمة على البغضاء، أؤمن أن ناموسك لا يضمُّ سوى سطورٍ
نورانية، فلماذا يحرموننا من زيت سراجٍ ينيرُ قلوبنا بمحبةٍ ألقيتَها سبحانك في
نفوسنا؟
أتعبني بَشَرُك يا إلهي، لا أشكو إلا إليك.. ربنا أعدهم إلى صوابٍهم، أعد إليهم بعض إنسانيةٍ مفتقدة، أو حجِّرْ قلبي الذي وهن.. علَّني أستطيع الصمود حتى رحلتي المرتجاة إليك.. سبحانك