عبدالرحيم كمال
يدهشني
الشاعر والناقد "فتحي عبدالسميع" في إخلاصه لمشروعه الأدبي، وهو مشروع
نهر يستعصي أن تكون له ضفاف، كما يدهشني أيضا إخلاصه لبيئته وتعمد الاندماغ فيها
حد التوحد والتلاشي.. فرغم أنه صوت شعري هام ومتفرد يغوص في طين الصعيد كنخلة
عنيدة تضرب جذورها في الأعماق، تلامس هامته ثقافة رفيعة عربية وعالمية أنفق العمر
في ارتشافها، لذا فإن "فتحي عبدالسميع" الشاعر، لاينافسه سوى "فتحي
عبدالسميع" الناقد، فهو ناقد واعٍ، يمتلك أدواته، ويستند إلى مالديه من حس
فني في تلقي إبداعات الآخرين والتفاعل معها وتفسيرها.
قامات عالية
في
كتاباته النقدية يعيدني "عبدالسميع" إلى منابع هامة وقامات عالية في
النقد المصري، محمد مندور، د.علي الراعي، د.عبدالقادر القط، وغيرهم كثيرون، ليوقد
في نفسي بعض الأمل في وجود رؤى نقدية تواكب الإبداعات الأدبية، وتكون هادياً لها
في ليلٍ ثقافيٍ طويل يخيم على حياتنا.
في
كتابه "الجميلة والمقدس" يمتطي "فتحي عبدالسميع" قلمه ليعيد
-بنجاح نسبي كبير- حرب "دون كيشوت" ضد طواحين الهواء، التي تجسدها في
حياتنا الموجات المتتابعة الداعية إلى التجهيل والتقبيح والتسطيح.
يتناول
"عبدالسميع" الكثير من المقدسات الراسخة في الوجدان الشعبي ويطير
بأجنحتها الأدباء الذين يتناولهم الكتاب، فيما الجميلة هي الكتابة كما يراها
"عبدالسميع".
أدباء الجنوب
في
الكتاب "ينحاز" المؤلف إلى ثمانية من أدباء الجنوب، وهو انحياز لايزيد
المؤلف إلا نبلاً، فالأدباء الثمانية يتمتعون بمواهب عريضة شعراء ورواة وقاصة، لكن
معظمنا لم يعرفهم بعد، وهو مايتفق مع رأي "عبدالسميع" في إحساس الأديب
الجنوبي بالظلم وعدم التجاوب الجماهيري والنقدي معه بسبب البعد المكاني عن نظيره
القاهري أو "الدلتاوي"، وبالتالي تجاهل وسائل الإعلام له.. وهو شعور
حقيقي عاشه ويعيشه المؤلف حتى الآن، رغم أنه استطاع كسر الحلقة الحديدية إلا
قليلا.
دور هام
دور
هام وخطير يقوم به المؤلف في هذا الكتاب، فهو يقدم نماذج لأدباء مغمورين جماهيريا،
ليُثبت مدى ما يتمتعون به من موهبة، من خلال ما يورده من نصوصهم التي يتضمنها النص
النقدي، ومناقشة طروحهم فيها، وهو ما جعلني أبحث عن هذه الأعمال للتلاقي معها وجها
لوجه.
يفرد "فتحي عبدالسميع" في كتابه فصلاً لكل أديب، فهو يتناول ديوان "كتاب المحو" لأحمد فؤاد الجويلي، ورواية "رقص أفريقي" لعصام راسم فهمي، وديوان "واحد يمشي بلا أسطورة" لأشرف البولاقي، ورواية "بغل المجلي" لعبدالجواد خفاجي، وديوان "قبّلت وردتها" لمحمود الأزهري، ثم المجموعة القصصية "العودة إلى جوبال" لسعيد رفيع، وديوان "موسيقى البراح" شعر بهاء الدين رمضان، ويختم الكتاب بقصة "يوميات في حياة شخص عابر" لأحمد حسن الدقر.