السبت، 4 يناير 2025

"بيت خالتي".. رواية تفضح آلة التعذيب السورية

قراءة للرواية السورية "بيت خالتي" منشورة بموقع "الحوار المتمدن"

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=853400

-بيت خالتي-.. رواية تفضح آلة التعذيب السورية


عبدالرحيم كمال 

الحوار المتمدن-العدد: 8210 - 2025 / 1 / 2 - 11:15
المحور: الادب والفن

عبدالرحيم كمال

"بيت خالتي" اسم حركي للمعتقلات السورية، وبقدر مافي الاسم من كناية، فإن فيه الكثير من السخرية المرة، فبيت الخالة عادة يعني الحب والحنان والعطف، والخالة والدة في ثقافتنا الشعبية، فيما المعتقل لايحمل شيئا من هذه الصفات، بل يحمل ضدها، وهو مايستعرض بعضا منه المؤلف "أحمد خيري العمري" في روايته "بيت خالتي" التي صدرت في عام 2022.


تدور أحداث الرواية بين سوريا -حيث المعتقلات- وألمانيا حيث يعيش كثير من الشخوص، وتتمحور حول "أنس خزنجي" الشاب السوري الذي يدرس الطب في ألمانيا، ولكنه يتحول عنه لدراسة الإخراج السينمائي.. ورغم محورية شخصية "أنس"، فإن الحديث عنه يكون بالاستعادة/ بصيغة الماضي، فالرواية تبدأ بالبحث عنه لنكتشف انتحاره في شقته.

أسباب متقاطعة

يمارس المؤلف التحليل النفسي للشخوص عبر شخصية "يزن" ابن خالة "أنس" وهو طبيب نفسي يعيش في ألمانيا، لكن في مدينة بعيدة عن برلين حيث يعيش "أنس"، ليناقش الأسباب النفسية التي تجعل "أنس" ينتحر، ولا يجد القريبون منه سببا منطقيا للانتحار، فهو شاب وسيم، ناجح واجتماعي وابن عائلة سورية كبيرة وميسور الحال.. لكن "نور" -صديقة "أنس"- تكشف لـ "زين" عن شريط سينمائي وثائقي كان "أنس" يعمل عليه منذ سنوات، يتناول فيه الأحداث البشعة التي تحدث في "بيوت خالات" السوريين، وقد صوّر شهادات لعدد كبير ممن تعرضوا للاعتقال.. ليبدأ "زين" في الاكتشاف التدريجي لعمق وتعقد المشكلة، فتوضح له "نور" خضوع "أنس" لجلسات علاج نفسي في الشهور الأخيرة، ثم انطواءه وابتعاده عن الناس مؤخرا، وكلها تشير إلى اكتئاب يمكن أن يؤدي إلى الانتحار.. لكن تساؤلا يطرح نفسه إزاء الحالة التي وُجد "أنس" عليها معلقا في السقف، فكل شئ في البيت مرتب ومنظم، حتى أن الأواني في المطبخ نظيفة، مما يبتعد بالفكر عن فكرة الانتحار.

المعادل لفكرة إنتحار "أنس" هي إقدام أحدهم على تنفيذ الجريمة بهذا المستوى، وتتجه أصابع اتهام "الثوريين" من السوريين إلى تنفيذ النظام السوري للعملية، بعد عدة أحداث تشير لقلق النظام من خروج الفيلم إلى النور، ومنها موقف إحدى الشركات الداعمة التي تضع شروطا لـ "تمييع" الموضوع وتحويل خطاب الفيلم إلى جهة أخرى، بحيث لا يشير إلى النظام السوري، وهي ضغوط يرفضها "أنس".. فيما أنه عند اكتشاف البوليس الألماني للانتحار يكون "أنس" -أو منفذ العملية- قد وضع أغنية "أنا الدمشقي" لـ "أصالة نصري" في مقدمة مسلسل "نزار قباني":

((أنا الدمشقي.. لو فتحتم شراييني بمُديتكم

سمعتم في دمي أصواتَ من راحوا

أنا الدمشقي لو شرَّحتُمُ جسدي

لسال منه عناقيدٌ وتفاحُ

مآذنٌ الشّامِ تبكي إذْ تعانقُني

وللمآذنِ.. كالأشجارِ أرواحُ

وكيف نكتبُ والأقفالُ في فمِنا

وكلٌّ ثانيةٍ يأتيك سفَّاحُ

حملتُ شِعري على ظهري فأتعبني

ماذا من الشِّعر يبقى حين يرتاحُ))

من الفاعل

يعتبر "زين" أن الأغنية إشارة ذات مغزى، فهل "أنس" هو الذي وضعها على وضع الإعادة بجهاز التليفون Answer Machin ، هل انتحر "أنس"، أم شنقوه في بيته بعملية مخابراتية، أم "انتحروه" -دفعوه للانتحار-؟ يظل السؤال معلقا دون أن تجيب سطور الرواية عنه، لتفسح للأحداث ومقاطع الفيلم مساحة للتكهن عمن يكون الفاعل.

تعود بدايات الأحداث إلى أيام الربيع العربي في عام 2011، حيث يرفع الشباب شعارهم "لا سلفية ولا أخوان.. ثورتنا ثورة شبان"، فيما كان شعار الشبِّيحة -رجال النظام- (الأسد أو نحرق البلد)، بعدها تم اعتقال "كنان" وهو  صديق "أنس" وحُكم عليه بالسجن المؤبد، وعُثر على صديقه الآخر "معاذ" مقتولا في دمشق، ويتضح فيما بعد أن من قتله هم الثوار بعد اكتشاف تعاونه مع الأمن، لتبدأ بوادر العصف النفسي -ثم عدم الإتزان- عند "أنس"، التي ربما يكون قد زادها عصفا المعلومات التي قدمها المعتقلون الذين أدلوا بشهاداتهم في الفيلم.



خبرة ألمانية

يوثق المؤلف انضمام "ألويس برونر" وهو ضابط نمساوي إلتحق بالحزب النازي وأصبح من كبار ضباط سرية الحماية الخاصة بهتلر، وكان المساعد الأول لـ "أدولف إيخمان" الذي كان من كبار الضباط المسئولين عن هندسة وتنفيذ المرحلة الأخيرة من الهولوكوست، وكان المسئول عن اختراع شاحنات الغاز التي  سبقت أفران الغاز في معسكرات الاعتقال..وقد هرب "برونر" في عام 1945 إلى مصر أولا ثم إلى سوريا، حيث عمل مستشارا خاصا للرئيس، ومستشارا في شئون التحقيق والتعذيب، لذا فإن "بيت خالتي" السوري يشبه معتقل "أوشفيتز" الألماني، مع العمل على تحديثه دوما.

مشاهد من الداخل

اعترافات مفزعة يدلي بها الشهود في الفيلم/ الرواية، توضح عدم وجود سقف للتعذيب وابتكار وسائل متجددة أكثر عنفا وإهانة وسحقا لشخصية المعتقلين، بدنيا ومعنويا.. فماذا قالوا؟


إنكار لله والرسول

معتقل يقول: "........ كانت هناك فتاة عارية تماما معلقة في رافعة، كانت آثار التعذيب ظاهرة عليها، بقع الحروق على صدرها وإبطها، كانوا يطفئون سجائرهم هناك، كانت تقول للسجان: مشان الله، فيرد: الله غير موجود الآن، وعندما كانت تقول: مشان النبي، كان يرد عليها: النبي مجاز اليوم..... ثم أخرج الولاعة من جيبه وأحرق شعر عانتها.. آخر ما أذكر كان رائحة الشياط، ثم رحت في غيبوبة".

الاغتصاب بالديمقراطية

تقول معتقلة أخرى أنها كانت تُغتصب كل يوم، وخيروها بين الاغتصاب الجماعي أو المنفرد (حفلة أو سهرة) وكان اعتصابها يتم وفي الخلفية صوت آيات تتلى من سورة النساء، وهو ما تكرر كثيرا، وتقول "أعرف أنهم في الثمانينيات كانوا يوشمون عبارات معينة على أجساد المعتقلين، مثل: الأسد ربي، أو لا إله إلا الأسد"..

تذكر "جوري" -نور- أن صورة الأسد كانت معلقة  في السقف فوق سرير الاغتصاب، إذا فتحت عينيها ستجد صورته أمامها وهو يبتسم، المعتقلات كن يجبرن على الغناء لبشار "نحنا رجالك يابشار، ومنحبك".




تعذيب على صوت فيروز

"كنان" -صديق أنس- يدلي بشهادته: هناك سجان وسخ للغاية، ربما أوسخ من مر عليّ، كنا نسميه "عاصي" على "اسم "عاصي الرحباني"، لأنه كان يعذبنا والموبايل في جيبه يصدح بأغاني فيروز.. كسر سني الأمامي وهو يسمع "رجعت الشتوية"، وكسر ثلاثة ضلوع على "شابف البحر"، وقتل أحد الأطباء المعتقلين ضربا بالجدار حتى الموت بينما كانت الأغنية "كيفك أنت".. ومعتقل آخر يقول: كل سرير في مشفى المزّة العسكري كان عليه ستة أشخاص تقريبا، كل منهم مقيد بقدم واحدة إلى السرير، أحيانا كثيرة كانوا يقضون حاجتهم على أنفسهم والباقين بجروجهم وإصاباتهم المختلفة، بحيث يتحول كل سرير إلى مكان لانتقال العدوى"، وشهادة أخرى "ربما كان الجوع من أصعب ما مررنا به في السجن، بسبب سوء الأوضاع وقلة النظافة، كانت أقدامنا تنتفخ وتتشقق، تصبح أقدامنا مثل جذع شجرة بخشونته وملمسه، وبسبب الجوع الشديد، كنا نأكل جلد أقدامنا، أحيانا كان البعض يتمادى فيأكل جلد زميله الجالس بجانبه".

سخرية الألم

يسخر أحد المعتقلين سخرية مرة من نفسه بعد عودته من جلسة التعذيب وهو غير قادر على المشي، كان يترنح بين الجالسين ويعتذر منهم لعدم قدرته على السيطرة على سيره، أخبرنا بأنهم أجبروه على الجلوس على قنينة مياه غازية، كان يقول (خوزقوني) وهو يحاول أن يداري ألمه بالسخرية من نفسه، وطبيب أسنان ينظفون أسنانه بفرشاة المراحيض، ومعتقل يقول: في مرة كنت اسحب جثة معتقل، وقلت للجالسين: وسعوا يا شباب، معنا شهيد. لم أنتبه للسجان خلفي، ضربني بشدة على رأسي وشتمني وشتم أهلي وهو يصحح لي: اسمه (فطيس) فاعتذرت له.. ومعتقلة تقول: إغتصبوا أمامي فتاة في الصف التاسع (الثالث الإعدادي)، تناوب عليها ستة عساكر، ومعتقل يشير: كان هناك ثلاثة أطفال بيننا كلهم دون العاشرة، واحد منهم تعرض لتعذيب شديد عندما جاءوا به أول مرة، كان متهما بإدخال المياه لمخيم اليرموك، ومعتقلة تقول: في يوم واحد إغتصبت عشر مرات.




كسر رقبة ميت

معتقل آخر يدلي بشهادته: كنت أعمل سخرة "موت" أي يحمل الجثث، أحمل كل يوم أنا وثلاثة من المعتقلين معي حوالي عشر جثث، تأتي شاحنة كبيرة تحمل حوالي 30/ 40 جثة أخرى، كان علينا أن نحشر الجثث الجديدة بين الجثث القديمة لكيلا تسقط كل الجثث علينا،غالبا كنا نضطر لكسر رقبة الميت أو يده كي نضعه في الشاحنة.

شو بدك سيدي

معتقل آخر يقول: في مرة أخرجوني إلى حديقة خلفية فيها قبور محفورة جاهزة للدفن، دفعني المحقق إلى واحد منها، وأخذ يطمرني بالتراب، وأنا أصرخ وأستغيث، بعد أن يغطيني التراب كليا يقول لي: هل ستقول كل الأسماء التي تعرفها؟ أرد عليه (شو مابدك سيدي).

اقتلوني.. الموت أرحم

بعد عمليات تعذيب تستمر 20 ساعة، كان النوم ممنوعا والأكل والشرب، الشرب الوحيد المسموح به كان ماء الشطف، ماء يختلط فيه البول والدم، كان مسموحا أن ننزل إلى الأرض لنلحسه.. كنت أقول في نفسي: اقتلوني، هذا أرحم.



الاعتقال للجميع

يشير المعتقلون إلى أن بيت الخالة يسستقبل جميع المعارضين، والعلويون -عائلة الأسد- ليسوا استثناء ويدخلون المعتقل، يقول أحدهم: في السجن كان المسجونون يخافون أن أكون جاسوسا عليهم، وعندما خرجت من المعتقل لم يرحب اهلي بي واعتبروني ميتا أو مفقودا، بسبب توجيهات النظام لهم وخشيتهم منه.

نظام يأكل نفسه

نموذج آخر تقدمه الرواية/ الفيلم من خلال شخصية "هدباء الحماصني" وهي من "القبيسيات" -مجموعة تدعو للتدين- وتستطيع التواصل مع أسرة "الأسد"، فتتصل بـ "بشرى الأسد" شقيقة بشار، ثم آسماء زوجته، ومع ذلك تم اعتقال ابنتها "نور"، التي تعرضت لحالات اعتصاب  متتالية، كما تقول في شهادتها بالفيلم تحت اسم "جوري"، في إشارة إلى أن النظام يأكل نفسه.


 

بكرة ميت

انغماسا في القتل والتعذيب يطلق أحد الضباط على نفسه اسم "هتلر"، ويبقى العنصر المشترك بين كل بيوت الخالة السورية هو حرص الضباط والجنود على إخفاء وجوههم عن المعتقلين، يقول معتقل: كانوا يقولون لنا بصراحة: تريدون أن تحفظوا وجوهنا كي تذبحونا عندما تخرجون، لذلك كانوا قبل أن يدخلوا زنزاتنا يأمروننا بأن ندير وجوهنا نحو الحائط، وعند التعذيب يضعون "طماشة" -عُصابة- على عيوننا، وقد حدث أن رأى أحد المعتقلين وجه أحد عناصر الأمن، فقال له العنصر: شفتني زين؟.. بكرة ميت، وقد تم قتل المعتقل بالفعل في اليوم التالي.

تتضمن الرواية عدة خيوط درامية، منها المسجونون الذين يتحولون لسجانين، وهي فكرة تستحق رواية مستقلة، ومنها خيوط فرعية كاشفة للمجتمع السوري والعلاقات بين الأفراد والجماعات والعائلات، منها من يعتبرون أنفسهم شوام خالصين، فيما يرون الآخرين دون ذلك، وعلاقة الحب المتنامي بين "نور" و"زين" فيطلب الزواج منها، وتنهي الرواية بالنتظار بعد عرض الفيلم على يوتيوب وتحقيقه رقما عاليا من المشاهدات، ثم تحول نسبي في شخصية "زين"، فبينما كان رماديا، محايدا، من حزب الكنبة/ حزب نفسي نفسي، تطور الأمر ليتعاطف مع "اسباب الثورة، في قناعة بجدوى الأحداث العاصفة التي مرت بها سوريا ومجايلوه من الشباب وصحة رؤاهم.


أحمد خيري العكري- المؤلف
أحمد خيري العمري- المؤلف





الأحد، 22 ديسمبر 2024

فيلم “حرب أهلية” هل هو نبوءة بنشوب حرب أهلية في أمريكا؟

 

قراءتي لفيلم Civil War منشورا في موقع "عين على السينما مع الشكر للناقد الكبير الأستاذ "أمير العمري" رئيس التحرير

·          

عبد الرحيم كمال

·          

يطرح فيلم “الحرب الأهلية Civil War” سؤالا جوهريا عن سبب طرح هذا الفيلم والداعي لإنتاجه في هذا الوقت؟

الفيلم أخرجه وكتب له السيناريو “أليكس جارلاند” -بريطاني الجنسية- وبطولة  “كيرستين دانست، “واجنر مورا، “كايلي سبيني، وبدأ عرضه في العام الحالي 2024..

الفيلم مستقبلي، يناقش موضوعا افتراضيا، أو قراءة استشرافية تنبؤية لما سيحدث -أو يمكن حدوثه- مستقبلا، إذ يفترض نشوب حرب أهلية أمريكية..


عودة للتاريخ

الموضوع ليس غريبا، وطرحه كثير من المفكرين، الذين تنبأوا بوقوع هذه الحرب الأهلية في أمريكا. وفي استطلاع للرأي أجري عام 2022 رجّح أكثر من 40٪ من الأمريكيين إندلاع حرب أهلية خلال العقد المقبل -الثلاثينيات- كما أن أمريكا شهدت حربا أهلية من قبل استمرت من عام 1861 إلى 1865، كان سببها الرئيسي اقتصاديا، إذ كان الجنوب يعتمد على العبيد كقوة بشرية في جميع الأعمال، بينما تبنى “ابراهام لينكولن” -في الشمال- دعوته لتحرير العبيد.

ومن مخاطر الحرب الأهلية أنه في عام 2021 حدثت مشكلة كادت تتحول لدعوة انفصالية بل وقيام حرب أهلية، وكان ذلك عقب خسارة الرئيس “ترامب” الانتخابات أمام منافسه “جو بايدن”.

هذا عن الخلفية السياسية للموضوع، وهو ما قد يبرر اهتمام صانعي الفيلم بدق جرس الإنذار مبكرا تحذيرا من وقوع هذه الحرب، فماذا عن الفيلم فنيا؟


رسالة إلى الوطن

لا يوضح الفيلم الأطراف المتحاربة ولا أسباب خلافها، بما يعني أن هدف الفيلم -غير المعلن- هو مجرد تحذير استباقي من هذه الحرب الجهنمية، وهو ما تعبر عنه بطلة الفيلم “لي” بقولها:” إنني أرسل رسالة إلى الوطن: لا تفعل هذا”.

يبدو الفيلم وكأن هدفه إظهار مشاق عمل المراسل الحربي وإمكانية تعرضه للموت، يرافق الفيلم أربعة صحفيين -مراسلين حربيين- وتدور الأحداث أثناء رحلة الفريق لإجراء حوار صحفي مع الرئيس الأمريكي في ولايته الثالثة، بعد أن خرق القانون، وواجه المعارضين بإطلاق الرصاص.

الشخصية المحورية هي المصورة “لي” وقد فقدت إحدى عينيها أثناء تغطيتها لحرب سابقة ولذلك تضع عصابة سوداء عليها- ومعها “جويل” الصحفي وينتمي الإثنان إلى جيل الحاضر بمعاناته الناجمة عن الحرب، و”جيسي” الصغيرة التي تحاول احتراف التصوير، ولكنها تعدل عن الفكرة بعد خوض تجربتها العملية، ثم “سامي” الصحفي العجوز الذي يبدو صامدا رغم عجزه وضعفه، مما يضطر المجموعة إلى تركه في الطريق، وبالرغم من إصابته إصابة قاتلة، إلا إنه ينقذهم من القتل، وينضم “حرب أهلية” Civil War بذلك لعدد من الأفلام التي تناولت موضوع المراسلين الحربيين منها: “حقوق القتل” و”تحت النار” و”” Under fire, Salvador, The killing fields


آراء متعارضة

يتضمن الفيلم مغزى آخر، هو تباين آراء الأجيال في هذه الحرب، فبينما يعاني الجيل الحالي من الحرب مثل “لي” و”سامي”، يبدو الجيل الأكبر سنا، سلبيا ويبدي عدم اهتمام بما يحدث، وهو ما يعكسه رأي والد فتاة متجر الملابس في الإصرار على طبيعية الموضوع، فيما يرفض الجيل الجديد -جيل المستقبل- هذه الحرب وينصرف عن الانخراط فيها، وهو ما تمثله “جيسي”، فيما أن الحياة تسير بشكل عادي في فندق الصحفيين، حيث اللعب والهو، فهم يعتبرون أنهم في رحلة عمل، وهذا صحيح، رغم أنه عمل قد يكلفهم حياتهم.


يبدو الفيلم أمريكيا بامتياز من حيث الصناعة، فهو مدجج بالآكشن والمعارك الحربية، ويتضمن عددا من المشاهد التي تستفز المشاعر الإنسانية، ربما أن أكثرها إيلاما مشهد سيارة النقل ذات الصندوق المتحرك وهي ترفع صندوقها لإفراع ما به من جثث لقتلى الحرب، ثم إصابة “جيسي” وعند إفاقتها تجد نفسها وسط عشرات القتلى، ومشهد الأسيرين المعلقين بعد تعذيبهما، وإخبار الجندي حارس المنطقة للفريق الصحفي أن أحدهما كان صديقا له، ولكنه حاول سرقة البترول، ومشهد إطلاق الجندي النار على شخص لأنه ينتمي لولاية يعتبرها الجندي من الأعداء، وفي إشارة لآثار نشوب الحرب الأهلية يحاول الصحفيون ملء نصف خزان السيارة بالبترول، لكن الجندي المسؤول لا يوافق على تقاضي الدولار الأمريكي “المنهار”، فتغريه “لي” بالدفع بالدولار الكندي.






الأحد، 8 ديسمبر 2024

عن فيلم "حياة الماعز" بعد هدوء الضجة

 

تحليل للفيلم الهندي حياة ماعز منشورا في موقع "عين على السينما Eye On Cinema مع جزيل الشكر لرئيس التحرير الناقد السينمائي الكبير"أمير العمري"


عبدالرحيم كمال

يروي فيلم "حياة ماعز – Goat Life" قصة عامل هندي -نجيب- يحصل على عقد عمل في السعودية، ومن أجل هذا العقد يبيع منزله وما يملكه في الهند، أملا في إعادة  ما أنفق وتعويض أهله.. لكنه يكتشف وهو على أرض الواقع السعودي زيف كل ما صوره له مسئول شركة توريد العمالة من الرفاهية التي تنتظره في السعودية، وليواجه الواقع المر حيث يجد نفسه راعيا للماشية ملقى في صحراء قاحلة.. وطبعا المخرج لا يقصد بعنوان فيلمه أن يروي حكاية ماعز، ولكنه -زيادة في التأكيد- ربما أراد القول أن الإنسان -أو نجيب- تحول -أو يمكن أن يتحول- إلى مجرد حيوان -وليكن ماعزا- في وسط هذه الظروف.


ثغرات درامية

يقع فيلم "حياة ماعز – Goat Life"   في عدة ثغرات درامية يرفضها المنطق -منطق حرص الكفيل أو صاحب العمل على توفير أدنى وسائل تساعد العامل على أداء عمله- وهو الهدف من التعاقد مع عمال وموظفين، فالفيلم يستعرض تفاصيل الحياة الشاقة التي يزيدها مشقة تعنت "الكفيل" السعودي معه منذ لقائهما الأول في المطار، فالعامل لا يعرف اللغة العربية ليخاطب الكفيل، الذي يجهل هو الآخر لغة العامل، كما إنه لايتحدث الإنجليزية التي يجيدها العامل الهندي، وبالتالي يتحول الحوار بينهما -ومنذ البداية- إلى حوار طُرشان، لا وسيلة لاختراقه سوى لغة الإشارة، وبهذا يعمد مخرج الفيلم "بليسي" إلى تكثيف مشاعر التعاطف مع "نجيب" الذي يرفض كفيله إعطاءه شربة ماء يروي بها عطشه، كما إنه لا يهتم بطلب العامل مهاتفة والدته في الهند التي وعدها بالاتصال وطمأنتها بعد وصوله السعودية -وتستمر معاناة الاتصال الهاتفي أياما عديدة-، بل يستمر المخرج "بليسي" في استثمار عدم التواصل بين الطرفين لانحياز المشاهد لـ "نجيب" المقهور إنسانيا، ويزداد القهر -المفتعل- في إظهار عدم معرفة "نجيب" التعامل مع المواشي وكيفية حلبها، ولأن الكفيل لديه عامل هندي مسن يعمل مع الكفيل، فكان يمكنه -وهو الشئ الطبيعي- تكليف العامل القديم بتعليم "نجيب" أوليات المهنة المقبل عليها، وهو ما يصب في زيادة ربح الكفيل السعودي، وإراحة الجميع -الكفيل والعامل والمشاهدين- من هذه المعاناة، إضافة لفظاظة الكفيل وصراخه المستمر الذي يطغى على حديثه، ثم تطور الأمر لضرب "نجيب"، خاصة بعد اكتشاف محاولته الهروب من حلم الجنة التي تحولت إلى كابوس من الجحيم، كما يطلق الكفيل النار على “نجيب” في إحدى مرات الهروب ليصيبه في ساقه، تعبيرا عن تعالي الكفيل السعودي على أي قوانين وعدم الإحساس بها، وبالتالي تجاهلها محتميا بابتعاد موقع العمل وعدم وجود أي إنسان غريب



إجهاض الأمل

كان اكتشاف "نجيب" لزميل قديم له سبقه في العمل ضوء شمعة يتراقص بفعل هبوب رياح الألم، فالزميل الأقدم يشترك معه في الانتماء لنفس الوطن -الهند-، وبالتالي فلغتهما واحدة، مما يقلل من مساحة الوحدة والاغتراب.. لكن ماساة "نجيب" تزداد عمقا حين يحكي له الزميل ما مر به من أحداث عاصفة منذ التحاقه بهذا العمل منذ سنوات طويلة، فقد جاء شابا يملأه الأمل الذي بدأ في الخفوت حتى خبا ومات.


الهروب حلا


ولأن "كتر الدق يفك اللحام"، تزداد فكرة الهروب إلحاحا عليه، وتحين الفرصة عندما ينشغل الكفيل بزواج ابنته، فيهرب مع زميل له جاءا معا من الهند، لكنهما افترقا في مواقع العمل، لتبدأ عملية الهروب ورحلة اللاعودة، وهي رحلة مخيفة بكل المقاييس، فكل الظروف تحول دون نجاحها، فلا يوجد أي طريق قريب، إضافة لصعوبة العوامل الطبيعية في صحراء لا حد لها، وكثرة هبوب الرياح القوية وثعابين الصحاري، وعدم وجود مؤن من الطعام والماء تكفي حتى الوصول لطريق، إضافة لعدم وجود وسيلة مواصلات، بما فيها الجمال التي يملكها الكفيل وبالتالي فالحل الوحيد هو المشي ومواجهة كل مخاطر الطبيعة التي كثيرا ما تكشر عن أنيابها.



وينهي الفيلم أحداثه لنكتشف أمرا غرائبيا هو أقرب للكوميديا السوداء، فالكفيل الذي أزعجنا طوال الفيلم يتضح أنه ليس كفيلا لأحد، وإنما هو “نصاب” استغل ظرف الشابين الهنديين التائهين في المطار دون اهتمام أحد، بل، وإمعانا في الكيد، وزيادة في البجاحة يقول الكفيل المزيف لـ “نجيب” إنه لو كان كفيله الحقيقي لفتله لهروبه منه، لينتهي الفيلم و”نجيب يستعد لمغادرة السعودية والعودة لأهله.

 واضح من الأحداث كم الفبركة والتزيد، مع الاعتراف بوجود شخصيات في العالم كله بهذا العنف وهذه الفظاظة، خاصة وسط البدو.


مشاهد جمالية

وإذا كان موضوع الفيلم متزيدا بعض الشئ، فإن المخرج -مستعينا بمدير التصور "كي يو موهانان" يعوضنا بمشاهد جمالية نستمتع فيها بفن السينما، فطوال الفيلم حرص المخرج على تقديم مشاهد ناعمة منذ بدء الفيلم، حيث نشاهد لقطات مكبرة "كلوز أب- Close up " ومكبرة جدا "بيج كلوز أب- Big Close up"، مستعرضا بيئة الحدث من جبال محيطة تسهم في مضاعفة الإحساس بمدى التحديات وصعوبة مواجهة "نجيب" لها، وفي مشهد آخر يشغى بالإنسانية حيث يخاطب -نجيب- الإبل والماشية التي عاش سنوات يقدم لها الماء والعلف بأنه سيفتقدها ويخبرها بمجئ إنسان آخر لرعايتها، وتبدو الماشية وكأنها تتفهمه، عكس هذا الكفيل الفظ، وساعدت الموسيقى التصويرية لـ "أي.أر. رحمان" على توالي مشاهد استعراض الصحراء وهبوب الرياح التي تقتلع أي شئ يواجهها، وأثناء عملية الهروب يقدم عددا من الأغنيات الدينية هي مناجاة لله للخلاص من المشكلة، في ألحان هادئة تسري في الروح سريعا.




الخميس، 31 أكتوبر 2024

الفن بالمزاد.. والإبداع بالكيلو!!

 

عصام السيد             درية شرف الدين                         

عبدالرحيم كمال

شاهدت منذ فترة إحدى حلقات برنامج "حديث العرب" على القناة الفضائية المصرية الأولى، وتقدمه "درية شرف الدين".. ضيف الحلقة كان المخرج المسرحي "عصام السيد" الذي بات علما في إخراج المسرحيات الغنائية تحديدا.

بقدر سعادتي باختيار "عصام السيد" ضيفا، كان ألمي.. فالحوار الذي اعدته "د. درية شرف الدين" وهي من أفضل من أنجبهم التليفزيون المصري، ومن أفضل من يتناول موضوعا ثقافيا، ولا ننسى ارتباط اسمها لدينا بواحد من أفضل البرامج الكلاسيكية التي تجمع بين الثقافة والترفيه وهو برنامج "نادي السينما" وكان التليفزيون يقدمه أسبوعيا.. وبالمناسبة، فقد بُح صوتنا لإعادة البرنامج في ثوب جديد، مع برامج ثقافية/ جماهيرية هامة مثل "فن الباليه" وكانت تقدمه "ناهد جبر"، و"الموسيقى العربية" الذي كانت تقدمه "د. رتيبة الحفني"، و"صوت الموسيقى" وكانت تقدمه "د. سمحة الخولي"، و"العالم يغني" الذي كانت تقدمه "حمدية حمدي"، وهناك برنامج "العالم العربي يغني" الذي ظهر في آخر فترة الاهتمام بالصبغة الثقافية في تليفزيوننا العزيز.. وأيضا -ومن باب الأمانة- شاهدت بعض حلقات لبرنامج عن الموسيقى العربية قدمها المطرب "أحمد إبراهيم" ولا أعرف إذا كانت هذه القناة ما تزال مستمرة في بث البرنامج أم لا.

مصدر الألم

مصدر الألم عندي جاء من شقين.. الأول أن الحلقة بكاملها تم عرضها بدون تضمين ولو مشهد واحد من المسرحيات التي تطرق إليها الحديث، خاصة مسرحيته الأخيرة "موش روميو وجولييت" التي قدمها للمسرح القومي بمشاركة "رانيا فريد شوقي" و"علي الحجار"، وقد ركز البرنامج على هذه المسرحية منطلقا منها وعادا إليها في الحوار.. وللأمانة فقد تم عرض لقطتين -بالموبايل- لفريق العمل أثناء البروفات.

 

د. سمحة الخولي                         د. رتيبة الحفني

هدم ذاكرة وطن

السؤال الذي يفرض نفسه هو: أليس التليفزيون تليفزيون الدولة، والمسرح والفرقة يتبعان الدولة، فلماذا التقصير في تصوير هذه الأعمال، ثم إن التليفزيون كوسيلة إعلامية من المفروض أن يغذي مكتبته والأرشيف بكل حدث جديد في كل المجالات، وإلا يكون قد ارتكب جريمة تتعدى مبنى التليفزيون وشاشاته لترفع معول هدم ذاكرة مصر وتشويه وجدان المواطن المصري.. ثم ألا يعلم التليفزيون أسماء المسرحيات  التي "سـ" يتناولها الضيف في حديثه المطول قبل أن يتم، وهو ما يؤكد مجددا خلو مكتبة التليفزيون من أشرطة لهذه الأعمال، ليؤكد مرة أخرى مشكلة إهمال تاريخ مصر وعدم الاهتمام بجمعه وتوثيقه، ناهينا عن التفريط فيما ورثناه من السابقين وقد بيع كثير من الأصول حتى وصلت إلى إسرائيل.

سوابق كروية

الأمر نفسه نراه منذ سنوات وننظر له ببراءة في البرامج الرياضية، خاصة التي تتناول كرة القدم -وهي أكثر المواد جماهيرية- فلا يتم بث اللقطات التي يتناولها الحوار، والسبب أن التليفزيون ليس لديه شرائط هذه المباريات، وليس من حقه عرض لقطات فيديو لها لأنه لم يشتر حق عرضها.. وطبيعي أن يحتفظ المنتج صاحب التصوير بحقه -سواء كان قناة تليفزيونية أو شركة- ولكننا نسأل مسئولي كل الشاشات المصرية -والتليفزيون الحكومي على رأسها- ألا يعني بث اللقطات التوثيقية جذب المشاهدين ثم حرصهم على متابعة قناة دون غيرها، مما يعني زيادة نسبة الإعلانات بها؟.. إذن لماذا الإهمال في حق المشاهد، الذي ينعكس إهماله في الانصراف عن التليفزيون الوطني لمتابعة تليفزيونات غير مصرية.

د. محمد معيط                            د. صلاح جودة

الفن بالمزاد

مصيبة أخرى لكنها أشد وطأة أشار إليها المخرج المسرحي "عصام السيد" في حواره مع "د. درية شرف الدين" في برنامج "حديث العرب" بالقناة الفضائية الأولى لتليفزيون مصر، فماذا قال "السيد"؟

قال "عصام السيد" إن وزارة المالية وضعت تقنينا لتصوير العمل المسرحي، وهو أن يتم طرحه والإعلان عنه في منتقصة بالمزاد!!!!؟؟؟؟، نعم بالمزاد، وبالتالي ليس من حق أحد التساؤل عن مستوى هذا التصوير وهل يصلح للعرض التليفزيوني أم لا، ومدى العمر الافتراضي لهذه النسخ.. الأمر نفسه يشمل بقية فروع العمل الفني، فيتم إعلان مزاد للمخرجين، وآخر للمؤلفين وثالث للممثلين.. وهكذا إلى نهاية الطابور.. وإذا كان العمل عبر آلية المزاد، فالطبيعي أن يكون الحكم بالكيلو.

تجربة قديمة

هذه النقطة تعيدنا إلى ما قاله الاقتصادي الراحل "د. صلاح جودة" منذ سنوات طويلة في حديث عن آلية العمل في الكتاب المدرسي -موجود باليوتيوب- حين كشف أن تأليف الكتب المدرسية يتم بالمزاد، وطبعا الأقل سعرا يرسو عليه المزاد لتأليف هذا الكتاب أم ذاك.. وليس غريبا ولا جديدا رداءة مستوى الكتاب المدرسي محتوى وإخراجا، خاصة بمقارنته بالكتاب الخارجي.. وإذا كان بعض الظن إثما، فأعتقد أن الربط بين الجزئيتين ليس إثما، بل ليس ظنا، فطبيعي أن ناشري الكتب الخارجية يهمهم سوء مستوى منافسهم وهو الكتاب المدرسي.. والمعلومات تشير إلى هزيمة الكتاب الإلكتروني المدرسي أمام الكتاب الورقي، بما يعني أن الكتاب الخارجي للمناهج الدراسية سيظل على عرشه -ويا جبل ما يهزك ريح-

مسرحية "مش روميو وجولييت"

وعي ثقافي

ما نخلص إليه -وبدون سوء نية- أن كثيرا من المسئولين ليسوا مؤهلين ثقافيا وليس لديهم وعي ثقافي يؤهلهم لتولي مناصبهم العليا.. وهنا نتساءل: إذا ما صدر قرار عجيب غريب مدهش من وزارة كبرى كوزارة المالية، وعلى رأسها "د. محمد معيط" الذي أصدر القرار، ألا يوجد من ينبهه إلى خطأ هذا القرار أو ذاك و ما يثيره، سواء من مستشاريه في الوزارة، أو من مجلس الوزراء أو من الرئاسة.. صحيح أننا نكتب.. لكننا نعلم أن "ودن من طين.. وودن من عجين"، لكننا على أمل أن تكون الثقافة ليست "الحيطة الواطية" في هذا العصر.

مسرحية "مش روميو وجولييت"


الدراما التليفزيونية: تسقط المدينة الفاضلة

الموضوع منشورا في موقع "عين على السينما" عبد الرحيم كمال وأخيرا “شهد شاهد من أهلها”، والشاهد هو الرئيس “عبدالفتاح السيسي” شخصيا...