السبت، 9 يوليو 2022

هدم الإنسان.. إسقاطٌ للأوطان.. والثقافة هي خط الدفاع الأول

 

حزين عمر

حزين عمر

نسجنُ الثقافةَ في ركنٍ قصيٍّ، ونشبعها ركلاً وصفعاً، إذا حصرناها في الشعر والقصة، أو حتى في سائر فنون الأدب.. بل هي دوائر تتسع وتتسعُ، من الأدب إلى فنون الدراما: مسرحاً وسينما ومسلسلات، ثم دائرة الفنون التشكيلية: نحتاً وتصويراً وعمارةً، ثم دائرة الغناء والموسيقى والرقص.. ثم مجالات العلوم الإنسانية: فلسفةً ومنطقاً وعلمَ نفسٍ وجغرافيا وسياسةً وتاريخاً وتشريعاً وفقهاً.

هذه الدوائرُ كلها تتصل بإنتاج الثقافة. وعلى الرغم من قيمتها العالية، فهي قدمٌ واحدةٌ، والثقافة تمشي على قدمين اثنتين.. أما الأخرى، فهي وسيلة نقل هذا الإنتاج العقلي الوجداني إلى خارج حدود المنتِجِ.. سواءٌ أكان شاعراً أم ناثراً أم تشكيلياً أم موسيقياً أم مفكراً أم فيلسوفاً أم مؤرخاً أم سينمائياً ومسرحياً.

وسائل نقل الفكر والإبداع منها ما هو قديمٌ، يبدأُ بالراوية أو الرواة: رواة الشعر الحافظون له، ورواة القصة، ورواة الأنساب.. أمثال حماد الراوية وخلف الأحمر، في تاريخنا العربي. ومن هذه البدايات كذلك أسواقُ الشعر، كسوق عكاظ، في زمن ما قبل الإسلام.. والوسيلة الأوسعُ انتشاراً بعدَ الإسلام: المساجد ومجالس الملوك والأمراء -زمن الحكام المثقفين لا الجهلاء!- وهنالك كذلك الكتابُ المخطوط .. حتى نصل إلى وسائل النقل الثقافي في عصرنا الحديث، بترتيبٍ زمنيٍ تقريباً: الكتب، الصحف، قاعات المسرح -وإن امتدت جذورها في الغرب لأيام الإغريق-، الجامعات والمدارس، دور السينما، قنوات الإذاعة والتليفزيون.. وصولاً إلى السوشيال ميديا.

مثالب وإيجابيات

على مدى التاريخ كذلك يرتبطُ توصيلُ النتاج العقلي والوجداني بمدى إيجابية هذه الوسائل أو سلبيتها.. فإذا انتشرتْ المساجد والمدارس واتسعتْ قصور الحكام لتشجيع الفكر وحريته، ازدهر هذا الفكر، وإذا تحول بعض الرواة وناقلي القصص إلى نشر الشائعات، كعبد الله بن سلول، تشوهتْ الأفكار، وانحرفتْ الطبائع.. وكلما تطورتْ وسائل التوصيل تطورت معها عيوبها وخبائثها، حتى تؤول إلى بيل جيتس وايلون ماسك وزوكربرج وخطط آل روتشيلد، وتوظيف الأبواق الإعلامية لتحويل الفاسد والسيئ والشاذ والمنحرف، إلى قاعدة ونموذجٍ يُتَّبع!! فالشذوذ الجنسي أصبح "مثلية".. وانتقل من الإقرار به لدى المخربين والمدمرين للبشرية، إلى فرضه بالقوة أو بغسيل المخ عبر السينما والكتاب والتليفزيون والسوشيال ميديا.. لا اعترافاً بما يسمونه حقوقاً لهؤلاء، بل بتزويج الشواذ، ومحاربة الزواج الطبيعي، وتفتيت الأسرة المعروفة، وإقامة أسرة متنافرة: رجلاً لرجل، وامرأة لامرأة.. ويرافق هذا التحلل المخطط له نشر الأوبئة: سارس، الجمرة الخبيثة، الحمى الإسبانية، كوفيد ١٩…. واصطناع الأزمات الاقتصادية، وتكبيل الدول في الديون، لإثارة الشعوب وإشعال الحروب الأهلية.. مع نشر الطائفية: سنة، شيعة، وهابية، إخوان، سيخ، هندوس… حتى تتقاتل جميعاً لصالح الصهيونية والماسونية.

انقراض البشرية

هل بعدنا عن الثقافة؟! لا! هي في لب كل هذا. لأن أفلام السينما التي تروج لكل هذه النزعات، ثقافة.. الكتب الصادرة بالآلاف تكريساً وتأكيداً لها، ثقافة.. المسلسلات وبرامج القنوات التليفزيونية والسوشيال ميديا والمذيعين المأجورين للعمل على انقراض البشرية، ثقافة!

وإذا كان الإنتاج العقلي الوجداني: الثقافة، متعدد اللغات، فإنه متداخل، لا ينفصم لغة وجغرافية، بل يؤثر ويتأثر.. وعلى الرغم من ذلك فيمكننا ان نركز عدستنا على واقعنا العربي المصري في هذا الصدد: الثقافة، إنتاجاً وتوصيلاً وتأثيراً.


نرى الإنتاج الفردي الإبداعي: شعرا وقصة ورواية ونقداً ولوحة ونصاً مسرحياً وعزفاً موسيقياً، في ازدهارٍ دائم، وعطاءٍ ثَرٍّ لا يكاد يحده حد.. ولا يظنن ظانٌّ أن أزمات الاقتصاد وأشكال الاستبداد والفساد وانعدام المساواة، يُتَرجم إلى نقصٍ في هذا الإنتاج، بل قد يدفعه للزيادة والتوهج، وإنْ بقي فردياً.

وسائل التوصيل لدينا أضحتْ موجهةً كل الوجهات، إلا أن تدعم الفكر الرصين والإبداع الفذ المحلق.. فالسينما: إنتاجا وعرضاً، يملك أكثرها أصحاب غسيل الأموال، أو المحركون من الخارج.. ودور النشر والطباعة للكتاب تلفظ أنفاسها الأخيرة، وتغلق أبوابها، وتصفِّي أعمالها، وآخرها دار نشر جزيرة الورد العريقة.. والجامعات والمدارس جُرِّفتْ وفرغت من محتواها وأهدافها.

الصحافة والتليفزيون قادهما الأقل كفاءة وعلماً وإبداعاً وخيالاً، ونُحِّيتْ العقول والعلماء والمفكرون، وسُدتْ الآفاق أمام الأفكار والآراء والتعدد.. والسوشيال ميديا تنمو وتتضخم بعد تدمير الوسائل التقليدية هذه لدينا. وعلى الرغم من أنها ساحة مفتوحة يلجأ إليها كل من تكتم أنفاسه، فإن مفتاحها في النهاية في يد ايلون ماسك وبيل جيتس وزوكر برج وأمثالهم. بها يستطيعون تغيير حكومات، وإسقاط دول، وإثارة قلاقل، ونشر شائعات، وإثارة غبار يحجب العقل ومؤشر الحقيقة.. ولننظر ما يحدث في حرب أوكرانيا، لنرى مائة خبر كل يوم، بعضها كذب، وبعضها شائعة، وقليلها حقيقة، وأكثرها موجَّه.

ليس أمام وطننا الآن إلا أن يعيد النظر في ترتيب أولوياته، ليضع في الصدارة خطوط الدفاع الأول والثاني والثالث، قبل خط الدفاع الأخير: الجيش والشرطة، أي ما يدعم الهوية القومية: كتاباً وجامعةً ومدرسةً ومسجداً وكنيسةً ومسرحاً وصحافةً وإعلاماً وأسرة.. فإذا هُدم الإنسانُ هُدِمتْ الأوطان!!

الدراما التليفزيونية: تسقط المدينة الفاضلة

الموضوع منشورا في موقع "عين على السينما" عبد الرحيم كمال وأخيرا “شهد شاهد من أهلها”، والشاهد هو الرئيس “عبدالفتاح السيسي” شخصيا...