الخميس، 21 أكتوبر 2021

ألغاز مصرية



عبدالرحيم كمال

بالنظر إلى تاريخ مصر القديم -المستند إلى العلم- فمن المفروض أن تكون مصر الآن في مقعد قيادة العالم، لكن العكس هو ما نراه، انحطاط في كل شيء، حيث لا مكان للعلم في تسيير حياتنا، واللجوء إلى أفكار "فهلوية" عشوائية.، مما يصب في كونه مجموعة من الألغاز.

 أعتقد أن حادث السقوط -المفترض- لميكروباص في النيل منذ عدة أيام يشير لأسلوب تفكير المسئولين في قيادة بلد بحجم وتاريخ مصر.. فقد ظللنا أياماً وليالي نبحث عن الميكروباص، مما سمح بانتشار التكهنات ثم الشائعات.. ليطل السؤال الكريه: هل خدع مواطن أو أكثر الدولة؟

أهرامات جديدة

 


أليس غريباً أن تتحوّل مقالب القمامة إلى مشاهد طبيعية في حياتنا، يستخدمها السّكّان في وصف عناوينهم، وكأنه ليس باقياً سوى أن يدرجها Google Earth في خرائطه، فهل فشلت مصر في التخلص من قمامتها.. المؤلم أن هذه المشكلة حديثة نسبياً، فقبل حوالي 40 سنة لم نكن نعاني من مشكلة كهذي، ولم تبدأ المشكلة إلا بعد أن "حشرت" الدولة أنفها في منظومة رفع القمامة.. حيث انقلب بعض المسئولين على آلية العمل في هذا القطاع -المنضبط- وأسندوا العملية لشركات عالمية ومحلية، والنتيجة أهرامات حديثة.. من القمامة.

حتى أنت ياسيسي

كثيراً ما تناولت بعض القرارات والرؤى الحكومية، وخرجت بأن المشكلة هي انفصال المسئولين عن الشعب، لا يعرفون مشكلاته، ويصدرون قرارات تضر ولا تنفع، بما يثير الشك أن هؤلاء ليسوا مصريين ولا ينتمون إلى هذا الشعب.

لكن ما كنت -ومازلت- واثقاً فيه هو أن الرئيس عبدالفتاح السيسي "معجون" بمصر، ناسها وشوارعها وتاريخها وطينها، لذلك تعجبت من تساؤله عن سبب وضع المصريين ستائر ثقيلة في البلكونات، وكأن المشكلة جديدة، أو أن السائل غريب عن البلد.. السيسي يوضح أن الهدف من البلكونات هو إدخال الشمس إلى المسكن، وهي مسألة صحية، واعتبار البلكونة مساحة للعب الأطفال وشرب الزوجين والأسرة الشاي ساعة العصاري.. كل هذا جميل، لكن ألا يعرف السيد الرئيس مساحات الشقق التي يعيش فيها الملايين من أبناء شعبه، ألا يعلم أن - الغالبية العظمى- شققهم ضيقة تقل أحياناً عن 50 متراً، ويعتبرون البلكونة جزءا من الغرفة يشغلونه بالأثاث، أو الكراكيب، ولذلك يمنعون تسلل الشمس إليهم باستخدام أنواع ثقيلة من القماش.. أما لعب الأطفال وشاي العصاري فلا إعراب له لدى غالبية المصريين.


وقف المراكب السايرة

هناك قرارات عجيبة تردد أن الحكومة ستصدرها -أو أصدرتها دون أن نشعر- منها قرار تحديد مواعيد لإغلاق المحلات ليلاً- كل حسب نوع نشاطه

أنا لا أعرف سرَّ طرح الحكومة لهذا القرار، والمفروض أن كل المنتسبين للحكومة يعلمون أن استمرار فتح المحلات 24 ساعة يحقق نوعاً من الأمان للمنطقة، فهناك حركة في الشوارع، ثم أن غالبية المناطق ليست مضاءة، ولم تكلّف الدولة نفسها بوضع أعمدة إنارة فيها، وبالتالي فإن إطفاء أنوار المحلات الساهرة سيجعل الجميع يسبح في الظلام، مما يزيد فرص وقوع الجريمة..


تلك نقطة جوهرية، لكن الموضوع يستدعي ايضاً بعض الأسئلة: ماذا تريد الدولة من هذه المحلات.. هل هو محاولة توفير الكهرباء، لكن ألا تدفع المحلات فواتير استهلاكها؟. أم أن الدولة لا ترى داعياً لاستمرار العمل على مدار اليوم؟. ونتساءل على الجانب الآخر: هل الدولة ومسئولوها و"عصافيرها" يعرفون مصلحة التاجر صاحب المحل أكثر منه.. المؤكد أن من صالحه تواصل العمل مع تحمل أعباء ذلك من عمالة وكهرباء ومصاريف أخرى.. إذن.. ماذا تريد الدولة؟

 

التعليم.. وآه من التعليم

 أما عن التعليم، فحدِّث ولا حرج، فليس مفهوماً فلسفة وزير التربية والتعليم لمنع التصوير في المدارس.. هل تحولت المدارس مثلا إلى ثُكنات عسكرية، أو مخازن لأسلحة نووية.. لا أعرف!!.. كما لا نفهم لماذا يربط الوزير حصول التلاميذ على الكتب الدراسية بدفعهم أولاً للمصروفات المدرسية أو جزء منها.. الربط بين الإثنين غريب حقاً، فالوزارة خدمية والمفروض أن تقدم خدمتها للمواطن أولاً دون انتظار لمقابل، وهي هنا مثل الطبيب أو المستشفى اللذين يرفضان إنقاذ مريض دون دفع جزء من التكاليف، رغم أن الأطباء أقسموا عند تخرجهم قسم أبوقراط الذي يتعهد بعلاج المريض دون انتظار شيء منه.. كما أن للمدرسة دوراً تربوياً قبل التعليمي، فكيف تسبب الوزارة هذا الشرخ النفسي في نفوس الطلاب.. فمن لم يحصل على الكتب معناه أنه فقير، وكأن الوزارة بذلك تضع على ظهر هذا الطالب لافتةً تثبت فقره.


-       من بين الألغاز العجيبة ما طرحته وزارة التربية والتعليم عن حاجتها لمدرسين، تعددت الإعلانات والوسائل.. وهو ما يثير التساؤل عن مئات الألوف من خريجي كليات التربية والتربية النوعية، فأين يذهبون -طبعاً غير منطقي القول إنهم جميعاً يعملون "على عربية كبدة"، أو أن القطاع الخاص يستوعبهم- السؤال موجّه لوزارتي التربية والقوى العاملة.. وللعلم: كان لدينا قانون تكليف لخريجي بعض الكليات بالعمل حوالي خمس سنوات في الحكومة، ومنها التربية والهندسة والطب.. فلماذا لا يتم تفعيل هذه القوانين مرة أخرى.. كما يمكن لخريجي كليات الآداب والعلوم والتجارة العمل بالتدريس بعد الحصول على دبلوم تربوي لمدة عامين.. والأمر متاح لمن يرغب من حملة أي مؤهلات جامعية مثل الحقوق والخدمة الاجتماعية وغيرها.. ونعود لنسأل مرة أخرى: أين يذهب هؤلاء بعد تخرجهم، وكلنا نعرف ونشكو من تفشي البطالة بين الشباب ولا يوجد عمل لأي خريج عدا قلة قليلة من التخصصات!!

-       غير بعيد عن موضوع نقص المدرسين شنت الوزارة الحرب على المراكز التعليمية إلى حد الاستعانة بالشرطة في إغلاق هذه "السناتر".. وغير واضح سبب هذه الحرب، هل هي لمحاربة الدروس الخصوصية، أم إنها حرب وقائية ضد كورونا.. ولو كان أحدهما هو السبب الحقيقي، فإننا نوجه الشكر لوزارة التربية.. لكن من ناحية أخرى علينا أن نتوقف ونسأل أنفسنا عن سبب إقبال الطلاب وأولياء أمورهم على السناتر والدروس الخصوصية -التي كانت منذ سنوات تتعدى الخمسين مليار جنيه سنويا يدفعها أولياء الأمور للمدرسين والسناتر- السبب الوحيد هو عدم أداء المدرسة لدورها، فمنذ سنوات -وقبل كورونا- أصبحت المدرسة مكاناً لاتفاق الأستاذ والطالب على الدرس الخصوصي، وبالتالي لم يعد للذهاب إلى المدرسة أهمية، سوى اللعب مع الزملاء..

-       مازلنا في التربية والتعليم.. لنعرّج على إصلاح التعليم الذي ننشده ونرفعه شعاراً ونجعله هدفاً قومياً، فأعتقد أن إصلاح التعليم يبدأ من إصلاح المعلّم، ومهمة الوزارة هي إعادة المدرس لممارسة دوره الطبيعي ومهامه التعليمية في المدرسة، ربما برفع رواتب المدرسين بما لا يقل عن خمسة آلاف جنيه -مع استمرار الرقابة على الدروس الخصوصية والسناتر- فكما تعمل الدولة -والعالم- على "تجفيف منابع الإرهاب"، لا بد من تجفيف منابع الدروس الخصوصية.

شماعة اسمها الشيشة


مشكلة أخرى تشير إلى أننا نتعامل مع الأفكار بمبدأ الجملة، وتعليق المشكلة على أي شماعة جاهزة.. تلك مشكلة تعامل الدولة مع وجود الشيشة في المقاهي عقب كورونا، المقاهي تعرضت للإغلاق في بداية الأزمة عدة شهور مما حقق خسائر فادحة -ليس فقط لأصحاب المقاهي فهؤلاء قد يكونون ميسورين ولديهم ما يكفيهم في هذه الأزمة- لكن الأكثر تضرراً هم العاملون، وأعدادهم بالآلاف -ونحن نتفهم ضرورة الإغلاق في هذه الفترة- لكن ما نناقشه هو ما حدث بعد السماح بفتح المقاهي.. وطبيعي التنبيه على اتخاذ الإجراءات الوقائية وأولها التباعد الاجتماعي، لكن لماذا يتم حظر تقديم الشيشة وهو قرار مازال سارياً.. 

طبعاً أنا لا أدعو للتدخين وأعرف أنه ضار، ولكنه ضار في جميع الظروف والأحوال، كما أن فيروس كورونا لا ينتقل إلا برذاذ العطس واللمس، ولا ينتقل بالتنفس، وبالتالي فالتدخين برئ من تهمة نشر وباء كورونا، وطبعاً الدولة تعلم جيداً أن كل المقاهي تزود كل زبون يطلب شيشة بمبسم بلاستيكي معقم ومغلف، والزبون لا يتنازل عنه، وهناك اللي الطبي الذي يستعمل لمرة واحدة، وهو ما يؤكد حرص المواطن المصري على صحته وتنفيذه لأي إرشادات متى أحس بصدق الخطاب وواقعيته.. لكن هذه القرارات تؤكد انفصال الدولة عن المواطن وتعتمد على علوية القرارات، الدولة في وادٍ والشعب في وادٍ آخر.. ويضطر الشعب للتمرد على هذه القوانين أو التحايل عليها.. والمَثَل يقول: إذا أردت أن تطاع فأمر بما هو مستطاع، والمستطاع هو إمكانية تحمل الناس له.

رياضة بدون جماهير


       المصريون يعشقون كرة القدم، لكن قرارات فوقية تصدر وفق حسابات خاصة منعت الجماهير من حضور الجماهير للمباريات.. الأزمة بدأت بعد الأحداث الدامية في بورسعيد بين فريقي الأهلي والمصري، ويعود تاريخها إلى أواخر عهد الرئيس محكد مرسي.. بعدها توصل بعضهم إلى أن الكرة تسبب البغضاء والكراهية وبالتالي المشاجرات حد القتل وإراقة الدماء، هكذا بجرة قلم، دون أن يلتفت هذا المسئول أو ذاك إلى الأسباب المؤدية لذلك العنف وإخضاعها للبحث الاجتماعي والنفسي.. وطبعا مع التعتيم على التحقيقات مع المسئولين عن استاد بورسعيد، ولم نعرف المتسبب حتى الآن.. وقد سبب القرار خسائر فادحة للأندية وكل النشاطات المرافقة للمباريات، ومايزال الوضع مستمراً كما هو عليه، وقد اجتذب وباء كورونا الضوء في هذه النقطة.. لكن ماذا بعد أن بدأت الحياة تعود بقوة في كل الأنشطة.. لماذا لا تفكر الدولة في إعادة الجماهير لحضور المباريات بنسبة 50% من استيعاب المدرجات، واشتراط حصول الراغبين في الحضور على التلقيح ضد كورونا، ويمكن التأكد من ذلك بالكمبيوتر والرقم القومي.. ولا أعتقد أن الداخلية تعجز عن تأمين ماتش، خاصة مع انتشار كاميرات المراقبة التي يمكن زرعها بالمئات في الملاعب.

الدراما التليفزيونية: تسقط المدينة الفاضلة

الموضوع منشورا في موقع "عين على السينما" عبد الرحيم كمال وأخيرا “شهد شاهد من أهلها”، والشاهد هو الرئيس “عبدالفتاح السيسي” شخصيا...