الأربعاء، 17 مارس 2021

باقة ورد لـ "الكينج".. محمد منير

 

محمد منير


عبدالرحيم كمال

من حق "محمد منير" أن أكتب عنه، لسببين: رئيسي وفرعي، الأول أنه فنان مثقف له توجه ورؤية ومشروع فني ورسالة، مهموم بالإنسان ويعبّر عنه في أغنياته، والثاني هو هذا النوع من الصداقة الفكرية والفنية والإنسانية التي ربطت بيننا بعد ان تعددت لقاءاتنا..

سمعت "منير" للمرة الأولى بعد صدور ألبومه "بنتولد" وهو الأول له -تقريبا-، سمعته في قنا – العاصمة الروحية لقلبي- في أواخر السبعينات برفقة الشاعر "أمجد ريان"، وكان -ريان- يخوض وقتها مغامرة ثقافية نادرة الحدوث، وكان ألبوم "منير" ينتشر بين المثقفين بموضوعاته والوطنية والإنسانية الشفيفة والمغلفة بغلاف عاطفي أنيق.. بسيط وصادق، وبعضها غنيٌ بالرمز والتلميح لاالتصريح، وتتبنى أفكاراً غير تقليدية للأغنية المصرية أولاً ومن ثم العربية، وهي أفكار ليست جديدة تماما في الغناء العربي، فهناك أغنيات عديدة تبنت نفس الطرح، لكنها قليلة جداً -بل نادرة- بالقياس لكمّ الإنتاج الغنائي.. ومنذ ذلك التاريخ وأنا أتابع "منير" باذني وقلبي وعقلي، وأرصد إنتاجه الغنائي بدقة لأنه يعبر عن أفكاري وتوجهاتي وذوقي.

السؤال الذي يجب طرحه دائما: لماذا عيّنت الجماهير العريضة "منير" ملكاً للقلوب والعقول، ومنحته لقب "الكينج".. ولماذا أصبح ظاهرة أو مدرسة أو اتجاها جديداً مغايراً ومؤثراً.

المهم أن "منير" أصبح نجماً للأغنية "البديلة"، ليس فقط لجمال الصوت، ولكن لأنه تشرّب كل الأنواع الغنائية، فقد نشأ في النوبة وهي بيئة غنية فنياً وثقافياً -ومن ثَمّ سياسياً- فتشكل وعيه بمايجب أن يقدمه تعبيراً عن قناعاته و"رسالته".. "منير" قادم محملاً بموروث الغناء النوبي، ثم إنه على اطلاع واسع بالفولكلور المصري بأنواعه والمناطق التي يعكسها: الصعيدي والفلاحي والبدوي والصوفي والسواحلي، إضافة للفولكلور العربي، ولذلك قدم أغنيات نوبية كثيرة بعد تطويرها، وهو أفضل من قدم الأغنية النوبية المطورة، وقفز خطوات واسعة في ذلك بعد "حسين بشير" و"محمد حمام" و"علي كوبانا".

وبعيدا عن الفولكلور النوبي قدم "منير" -مثلا- أغنية "مدد" المستمدة من إنشاد الطريقة الشاذلية، وغنى "سيه ياسيه" وهي أغنية منتشرة في الريف المصري بنفس التيمة الموسيقية والمعاني..

وفي البعد العربي لابد أن نلتفت إلى أهمية ارتباط "منير" الطبيعي ببعض رموز الأغنية السودانية وعلى رأسهم الراحل "محمد وردي"، كما أن أغنية "أنا قلبي مساكن شعبية" هي أغنية سودانية ، أعاد "منير" تقديمها بعد اختصار بعض أجزاء منها، وهي قصيدة للشاعر السوداني الكبير "شريف محجوب" وكان عنوانها "بطاقة شخصية" ومن تلحين وغناء "وردي الصغير".. وأذكر أن "منير" طلب مني شريط المغني والملحن اللبناني "مرسيل خليفة" الذي ربط نفسه بأغنية المقاومة وكان أهم صوت فني معبر عن القضية الفلسطينية، وكنت قد استعرت الشريط وقتها من الشاعر الراحل "عبدالرحيم منصور".. كما قدم منير فن الراي الجزائري.

نقطة أخرى أعتقد أن لها أهمية كبرى، وهي اختيارات "منير" للأغاني الكلاسيكية أو القديمة التي أعاد تقديمها بصوته لتحقق نجاحاً ضافياً، له ولها، مثل "ياحبيبي عود لي تاني" لشادية -وهي أغنية ذات طابع سوداني، و"فلاح كان فايت بيغني" لـ "شريفة فاضل" وغيرها.

هذه المكونات هي التي رسمت طريق "محمد منير"، وهي التي حددت اختياراته والشعراء الذين تعاون معهم عن قصد ومنهم الشاعر العظيم "فؤاد حداد" و"الأبنودي"، والتقاطه لجوهرة "كوثر مصطفى".

كما يقول المثل: كل إناء ينضح بما فيه، وهذا مافي إناء "منير".. ومن حقي أن أسعد بالمكانة التي احتلها "منير" جماهيرياً، لأن ذلك يثبت أن الجماهير مازالت بخير، وتجذبها الكلمة الجيدة الراقية، رغم أي دعوات للشَلَل الفكري، ومخاطبة النصف الأسفل للإنسان المصري.

الدراما التليفزيونية: تسقط المدينة الفاضلة

الموضوع منشورا في موقع "عين على السينما" عبد الرحيم كمال وأخيرا “شهد شاهد من أهلها”، والشاهد هو الرئيس “عبدالفتاح السيسي” شخصيا...